رحلتي الطويلة في البحث عن العلاج (6)

رحلتي الطويلة في البحث عن العلاج (5) _______________________________ رحلة العودة إستأنفتها من عطبرة التي وصلتها من كبوشية و أمضيت فيها ليلتي بأحد الفنادق جوار الميناء البري و كنت محظوظا حيث وجدت غرفة واحدة خالية غادرها النزيل الذي كان يشغلها قبل وصولي بدقائق معدودة فحمدت الله على ذلك لأنها كانت ليلة باردة ، و كنت قد أمضيت أكثر من ساعتين قبل ذلك بحثا عن إبن أخي محمد ضو البيت السوار و إبن أختي الهادي عبد الرحمن الهادي اللذان يتواجدان بها بعد خروجهما من الخرطوم و لكن للأسف لم ألتقيهما بسبب قطع خدمات الإتصالات بواسطة المليشيا المتمردة المجرمة و لم أكن أعرف مكان سكنهما بدقة .

بدأت رحلتنا متأخرة عن موعدها بحوالي ساعة تقريباً و هو أمر طبيعي في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها بلادنا و ذلك بسبب التدقيق الأمني الذي تقوم به الجهات المختصة قبل منح الإذن النهائي للتحرك ، و من حسن حظي فقد كان مقعدي مجاورا للأستاذ طارق الذي تعرف علي و عرفني بنفسه و قال لي إنه كان يعمل في (سونا) و قد زامل أختي سعاد سوار الموظفة بسونا أيضاً و التي كانت قد فصلتها لجنة التمكين الظالمة هي و عدد من زملائها قبل أن تعيدهم المحكمة العليا بقرار قضائي .

قبيل منتصف النهار توقف بنا البص في محطة هيا حيث تناولنا وجبة الإفطار و كانت عبارة عن (سندوتش فول و طعمية) و الفول و الطعمية من ( أكلاتي) المفضلة ، و ختمت الفطور بقهوة (كاربة) و أنا أردد في سري (فنجان جبنة بي شمالو يسوى الدنيا بي حالو) للفنان البجاوي الراحل آدم شاش ، أما رفيقي و الذي هو في الأصل من القرير في ديار الشايقية فقد فضل الشاي على القهوة ، ثم استأنفنا الرحلة و وصلنا كسلا عند الأصيل فبدا لنا جبل التاكا الشامخ و هو يحتضن المدينة في حنو و محبة ، وكسلا هي إحدى المدن التي يمكن أن نطلق عليها (سودان مصغر) حيث يتواجد فيها علاوة على أهل الشرق معظم المجموعات السكانية السودانية .

و في كسلا نزل نصف ركاب البص فتم تحولينا لبص آخر طبعاً دون مشاورتنا ، و طبعاً الركاب دائماً حقوقهم مهضومة و يتعرضون لأقسى درجات الدكتاتورية (دكتاتورية السواقين) ، و للأسف كان البص البديل أقل درجة من الأول و سيره أبطأ ، و هنا وصلت لقناعة تامة بأننا لا محالة سنبيت في الطريق و بالفعل عند وصولنا إلى مدينة الشوك عند الساعة الثامنة مساء كان قد تم إغلاق الطريق فتوقف البص عند أحد (الكافتيريات) حيث وجدنا عددا من البصات قد سبقتنا ، و كانت المهمة الأصعب هي الحصول على (عنقريب) للمبيت و بعد جهد تحصلت أنا و رفيقي على بغيتنا و بعد ذلك أدينا صلاتي المغرب و العشاء جمع تأخير و بعدها طلبت من رفيقي حراسة (العناقريب) و قمت بممارسة عادتي في السفر و هي الإستكشاف و التعرف على البيئة و الخدمات و التحدث إلى بعض المسافرين و إلى من أصادفهم من أهل المنطقة و أنا أسمي هذه الجولة (دراسة مدينة) و بعدها عدت إلى صديقي بصحن (فتة كارب) و كان الجوع قد بلغ منا مبلغا رغم (السمسمية و الفول المدمس و دوم هيا) و بعد تناول العشاء و الشاي بدأنا نتسامر و حكى كل منا قصته مع الحرب للآخر ، و فجأة شعرت بشابين من مكان قريب ينظران إلي و يتهامسان فتوجهت نحوهما مباشرة و بادرتهما بالسلام فسألني أحدهما هل أنت حاج ماجد سوار فأجبته بنعم فصافحاني مرة أخرى و أخذتهما إلى حيث نجلس أنا و رفيقي ، و ما هي إلا لحظات و بعد إتصالات أجرياها حتى إنضم إلى جلستنا آخرون و كانت حكاوى و حكايات الحرب و استرجاع الماضي هي الحاضرة .

أواصل بإذن الله #كتابات_حاج_ماجد_سوار 9 مارس 2024رحلتي الطويلة في البحث عن العلاج (6) _______________________________ إمتد بنا السمر و الحوار و حكاوى و حكايات الحرب أنا و رفيقي الأستاذ طارق و مجموعة الشباب الذين انضموا إلينا بقيادة الشاب النشط و الإعلامي بشير نوح – الذي كان أول من تعرف علي – في الكافتيريا الخارجية عند مدخل مدينة الشوك ، و عندما حانت الساعة العاشرة أصر هؤلاء الشباب أن نصطحبهم إلى داخل المدينة للمبيت ثم في الصباح سيدبرون أمر سفرنا إلى محطتنا التالية مدينة (القضارف) التي تبعد أقل من ساعة من (الشوك) فوافقت أنا بلا تردد لأنني بالفعل كنت أحتاج للراحة بعد رحلة طويلة و شاقة و لكن رفيقي إعتذر و قال إن المبيت في المحطة و على (العنقريب) هو جزء من برنامجه و تأملاته التي بدأها منذ بداية الحرب و عبر جميع المحطات التي مر بها ، و في تلك الأثناء كان الشاب بشير نوح يبحث عن سائق البص و عن المضيف حتى عثر عليهما و طلب منهما إنزال حقيبتي و كان بصحبته بعض الشباب من مستنفري المنطقة و أخذوني إلى داخل المدينة بسيارة (الطوف) فقلت لبشير ربما يظن السائق و كل من شهد الموقف أنكم قبضتم على (دعامي) كبير كان برفقتهم في البص !! فضج الجميع بالضحك .

أخذني الشاب بشير و صحبه إلى منزل أحد الإخوة من أعيان و رموز المدينة و هو الأخ بابكر محمد الأمين حيث أمضيت ليلتي في غرفة مجهزة للضيوف كعادة أهل السودان خاصة في الولايات الذين يبالغون في إكرام الضيف فوجدت كل شيئ جاهز حتى (فرشاة الأسنان و المعجون) .

بعد صلاة الفجر حضر إلي صاحب الدار بالشاي و علمت منه أن أهل بيته في رحلة لأداء العمرة ، بعد ذلك بقليل حضر لزيارتي نفر كريم من قيادات المؤتمر الوطني و الحركة الإسلامية بالمدينة و الذين علموا بوجودي و ذكروني بندوة شهيرة كنت قد أقمتها في ميدان وسط المدينة ضمن حملة الإنتخابات الرئاسية و البرلمانية في العام 2010 و حينها كنت أمين أمانة التعبئة بالمؤتمر الوطني ، و كانت الشوك هي إحدى محطات عديدة في جولة واحدة إستمرت لما يقارب أسبوعين غطينا فيها مدن : القضارف – كسلا – خشم القربة – الشوك ثم سنجة – سنار – ثم الخوي – في غرب كردفان ثم شندي – كبوشية – قدو ثم اختتمناها ببربر التي سبقني إليها الأستاذ مهدي إبراهيم .

و ذكرت لهؤلاء الإخوة أنني حضرت إلى (الشوك) مرة أخرى عندما كنت وزيرا للشباب و الرياضة بدعوة من الوزارة الولائية حيث خاطبت حشدا شبابيا ضم نحو ثلاثة آلاف شاب ضمن إحتفالات الولاية بعام الشباب ، طبعا الجلسة لم تخل من الحديث عن حرب المليشيا المتمردة و مآلاتها و كان هؤلاء الإخوة يسألونني و أنا أجيبهم بما هو متوفر لدي من معلومات ، و سألوني عن المستقبل السياسي في البلاد فقلت لهم أهم شيئ أنه مستقبل بلا مليشيا الدعم السريع و بلا جناحها السياسي (قحت/تقدم) .

حرصت ألا تطول الجلسة لأن وجودي في الشوك صادف يوم الثلاثاء و هو يوم (السوق) فطلبت من هؤلاء بعد شكرهم أن ينصرفوا لأعمالهم ، بعد ذلك بقليل حضر الشاب بشير و عرض علي برنامج يشتمل على زيارة بعض شيوخ الحركة الإسلامية و بعض رموز المدينة و بالفعل كانت جولة ممتازة و تركت أثراً طيباً في نفوسهم و في نفسي .

و كانت زيارتي للبروفيسور الخلوق حسن أبو عائشة الذي علمت بوجوده في المدينة التي هي مسقط رأسه واحدة من أجمل محطات رحلتي الطويلة في البحث عن العلاج ، وجدت البروف في مستشفى الشوك العام و أمامه صف من المرضى الذين درج على مراجعتهم في المستشفى منذ وصوله إلى المدينة بعد خروجه من الخرطوم ، و كنت قد طلبت من الشباب ألا يخطروه بالزائر حتى يكون الأمر مفاجئا له و بالفعل كانت الزيارة بالنسبة له مفاجأة لم يكن يتوقعها .

البروف أبو عائشة و البروف الطاهر هارون الشقيق الأكبر لمولانا أحمد هارون من أفضل و أعظم الرجال الذين عملت معهم حيث كان هو مديرا لجامعة المغتربين و بروف الطاهر نائبا له و كنت أنا رئيساً لمجلس الجامعة بحكم موقعي كأمين عام لجهاز المغتربين الذي أسس الجامعة مع شركاء آخرين من المغتربين في مقدمتهم الرجل القامة كمال حمزة شفاه الله و عافاه بالإضافة لمساهمة جهات أخرى من داخل البلاد .

البروف أبو عائشة و نائبه الطاهر هارون و رفاقهم من الأساتذة و الإداريين كان لهم القدح المعلى في تطوير الجامعة و النهوض بها (و لقد أفردت لذلك جزء من مذكراتي عن فترة عملي بجهاز المغتربين) .

البروف أبو عائشة أيضاً كان رئيساً فخريا لإتحاد (الرياضة للجميع) الذي كوناه خلال فترة عملي بوزارة الشباب و الرياضة و كان هدفه الرئيسي العمل على نشر ثقافة ممارسة الرياضة لجميع الفئات و الأعمار ، و يعود للبروف الفضل في نشر ممارسة الرياضة أثناء الإجتماعات و في المسجد عقب صلاة الفجر .

بعد زيارة البروف حسن أبو عائشة في عيادته بالمستشفى العام إختتمت ساعات طيبة و جميلة بمدينة الشوك ثم توجهت بصحبة مرافقي الشاب الهمام بشير نوح و الذي كان هو الآخر متوجها إلى مدينة القضارف إلى الشارع الرئيسي و ماهي إلا لحظات حتى توقف أمامنا أحد الشباب بسيارته و أخذنا بصحبته إلى (قضارف الخير) حيث مقر إقامتي المؤقت و التي سأفرد لها حلقة خاصة بإذن الله .

أواصل بإذن الله #كتابات_حاج_ماجد_سوار 14 مارس 2024                                      

السودان      |      المصدر: النيلين    (منذ: 1 أشهر | 3 قراءة)
.