التعزيز التعليمي.. مناخ فعال

إعـــلان»»بقلم: أ.

د.

عصام محمد عبدالقادر(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة – جامعة الأزهر)قد يعجبك أيضاً عندما نرى أو نشاهد أو نلاحظ أو نرصد سلوكا جيدا، أو حميدا، أو صحيحا، أو مناسبا لمهمة يؤديها المتعلم، ونقوم بدعمه؛ فإن احتمال تكرار هذا السلوك في المستقبل قائمة؛ بالإضافة إلى أن البيئة التعليمية تُعد إيجابية ليؤدي فيها المتعلم ما يُوكل إليه من مهام تعليمية على الوجه الصحيح، مما يزيد ثقته بنفسه، وتستثار لديه دافعية الإنجاز ليحقق أهداف تعلمه المنشودة، كما يسهم ذلك في الحد من المثيرات أو المتغيرات التي تتصف بالسلبية، وهذا في كليته يدعى بالتعزيز.

ويساعد التعزيز في خلق مناخ تعليمي فعال، يسهم في تحفيز المتعلم لأن يقوم بمهام الأنشطة التعليمية التي يكلف بها وفق المحددات التي يطالعها ويستوعب تفصيلاتها؛ لذا هناك تنوعٌ في أنماط التعزيز الذي يقدمه المعلم، كما أن كل نمط يتناسب مع موقف تعليمي بعينه، ويتناغم مع طبيعة خصائص المتعلمين، وتلكما تقديرات تترك لمن يضع سيناريوهات التخطيط والتنفيذ والتقويم الخاصة بخبرات التعلم المراد إكسابها لأبنائنا المتعلمين.

ومقام التعزيز ينبغي أن يكون متنوعًا؛ كي لا يؤدي إلى ملل أو كلل لدى الفئة المستهدفة منه؛ حيث إن الاعتياد على نمط بعينه وألفته يصيب المتعلم بالفتور ويضعف من الهمة ويقلل من دأب السعي المستمر للتعلم والبحث والاستقصاء، ومن ثم يجب أن يعدد المعلم من ألوان وأنماط التعزيز التي يستخدمها في البيئة التعليمية؛ ليشعر المتعلمين أنهم محل تقدير واهتمام، وأن ما يقدم لهم يعبر عن محبة وامتنان لما يقومون به من مهام تعليمية تساعد في إلمامهم بالخبرات المخطط لها بصورة مسبقة.

وهنا ينبغي التنويه على أن تقديم أنماط متعددة من التعزيز تتسم بالجدية وندرة استخدامها مع المتعلمين، يُسهم بصورة جادة في تحقيق الأهداف المنشودة؛ لذا باتت الضرورة ملحة تجاه تدريب المعلم على تقديم أنماط متعددة من التعزيز من خلال الاستراتيجيات التدريسية التي يتبناها في البيئة التعليمية؛ حيث تتعدد الأدوار والمهام التي تقع على عاتق المتعلمين بداخلها، ويحرص كل متعلم على أن يؤدي دوره غير منقوص، وهذا ما يسهم في خلق حالة من التوازن بين العزيز وطبيعة السلوك المنشود.

ومما لا شك فيه فقد أضحت مراعاة الفروق الفردية في البيئة التعليمية أمرا لا جدال حول أهميته، ومن ثم فإن من مهام المعلم الرئيسة اختيار نوع ونمط التعزيز المناسب لكل متعلم على حدة؛ نظراً للتباين في مدى الإفادة من نوع ونمط التعزيز المقدم لكل متعلم؛ حيث إن ما يفيد من نمط تعزيز مع متعلم قد لا يفيد مع آخر، وهذا يبرهن أن تعدد أنماط التعزيز صار ضرورياً داخل البيئة الصفية؛ بالإضافة إلى ضرورة تنويع التعزيز وفق أنماطه المتنوعة.

وفي مقام الاهتمام بالتعزيز وتنويعاته نشير إلى أن نظريات التعلم أكدت تطبيقاتها المنسدلة من فرضياتها ومبادئها على أن النظام الصفي يلزمه تعزيز مستمر؛ فوجوده يعضد السلوك الإيجابي المرغوب فيه، وتلاشيه يؤدي إلى ضعف الرغبة في تكرار السلوك المنشود، وعندما نقارن هذا الاستخلاص مع قانون الاشتراط الإجرائي نجد تناغمًا واضحًا، يبدو في تأكيد صحته والتي تفيد بأنه تزداد قوة احتمال ظهور الاستجابة الشرطية إذا اتبعت بمثير يعززها.

ويتحتم أن يدرك المعلم أن للتعزيز وجهان أحدهما موجب والآخر سلبي، ونود أن نعلمه بأن التعزيز الموجب يُسهم في زيادة احتمال تكرار السلوك لدى الفرد؛ حيث يمثل الدعامة الرئيسة في تعديل السلوك، بينما يساعد التعزيز السلبي في زيادة احتمال تكرار السلوك مع إزالة المثيرات المنفرة، أو غير المرغوب فيها، والمرتبطة بهذا السلوك، مما يعني الهروب من تلك المثيرات المنفرة، وكلا النوعين لهما أنماط متعددة؛ حيث تؤدي هذه الأنماط إلى زيادة فاعلية المتعلم، ومن ثم تعمل على ثراء الموقف التعليمي.

ولنلقي إطلالة مختصرة عن أنماط التعزيز؛ فهناك التعزيز الأولي، وفيه يستخدم المعلم أنواع المعززات (المثيرات) التي تؤدي إلى زيادة وتقوية السلوك بدون خبرة سابقة أو بطريقة طبيعية، وعندما يقوم المعلم بتعزيز السلوك الأكثر تفضيلاً لدى المتعلمين، في حين يتم تجنب تعزيز السلوك الأقل تفضيلاً، يسمى ذلك بتعزيز النشاط، وحينما يدعم المعلم سلوكيات المتعلمين المرغوبة بتقديم أشياء يحبونها مثل الألعاب، القصص، المواد الغذائية، الجوائز، النقود، يدعى ذلك بالتعزيز المادي.

وهناك التعزيز المعنوي الذي يقوم فيه المعلم بمديح المتعلمين، والثناء عليهم عند قيامهم بأنشطة وسلوكيات جيدة، وعندما يستخدم المعلم النقاط والنجوم والشارات لتعزيز الطلاب على سلوكياتهم، نطلق على هذا التعزيز بالرمزي؛ لكن حينما يستخدم المعلم لبعض الكلمات مثل (أحسنت – أصبت المرمى – ممتاز- جيد – صحيح – مدهش ….

إلخ) لتعزيز إجابة المتعلم الصحيحة على الأسئلة المطروحة يدعى ذلك بالتعزيز اللفظي، يقابل ذلك التعزيز غير اللفظي، والذي يستخدم فيه المعلم الابتسامة للتدليل على دقة الإجابة أو سلامة فكرة المتعلم، أو إيمائه برأسه للموافقة على الإجابة.

وعندما يقوم المعلم بتعزيز السلوك الصادر عن المتعلم عقب الانتهاء من الاستجابة، وقد يكون مادياً أو معنوياً، لفظياً أو غير لفظياً نسميه بالتعزيز الفوري، مقابل التعزيز المؤجل الذي يعمل المعلم على تعزيز السلوك الصادر من المتعلم بعد فترة من الوقت، وهناك التعزيز المباشر الذي يقدم التعزيز للمتعلم القائم بالسلوك المرغوب أو النشاط المُؤدى بطريقة سليمة، في مقابل التعزيز غير المباشر؛ حيث يلفت المعلم انتباه المتعلمين عند تقديمه لتعزيز أحد زملائهم.

ونلاحظ عندما يقوم المعلم بتعزيز الأجزاء المقبولة فقط من سلوكيات المتعلمين، أو يعزز بعض المحاولات بذاتها مع ترك بعض المحاولات الأخرى، يسمى بالتعزيز المقيد، وعند قيام المعلم بتعزيز سلوك المتعلم بصورة كلية، دون التغاضي عن أي سلوك، فيشير إلى نمط التعزيز الحر، والحرص في تقديم التعزيز للسلوك المناسب من المتعلمين في كل مرة يحدث فيها، يدعى بالتعزيز المتواصل، في مقابل التعزيز المتقطع، وفيه نعزز السلوك المناسب الصادر عن المتعلم في بعض الأحيان.

ويصعب أن نغفل نمط التعزيز الفردي، وفيه يتم تقديم التعزيز للمتعلم القائم بالسلوك بصورة منفردة سواءً بالإيجاب أو السلب، لتدعيم السلوك المرغوب فيه، وكذلك نمط التعزيز الجماعي، ومن خلاله يتم تقديم التعزيز لمجموعة من المتعلمين عند تعاونهم، ومشاركتهم في القيام بنشاط أو أداء معين.

ورغم تعدد أنماط التعزيز إلا أن الاستخدام الفعال لعملية التعزيز يتطلب من المعلم الانتباه إلى بعض المبادئ المهمة، التي ينبغي أن يضعها في اعتباره عند تقديمه للمعززات، التي سوف يستخدمها مع السلوكيات الصادرة من المتعلمين، ومنها مراعاة أن تتم عملية التعزيز حال وجود السلوك المرغوب حدوثه، بحيث يتم تقديمه بطريقة منظمة بعيداً عن العشوائية؛ حيث إن تقديمه بسبب وبدون سبب يقلل من فاعليته في تحقيق أهداف العملية التعليمية.

ويفضل تقديم التعزيز للمتعلم مباشرةً عند صدور الاستجابة المرغوبة بمت يزيد من فاعليته؛ نظراً لأنه يعمل على زيادة حماس المتعلم لتكرار السلوك المرغوب فيه، ويكسبه الثقة في نفسه، في حين قد يسهم التعزيز المؤجل في تقليل فاعلية وحماس المتعلم داخل البيئة التعليمية، كما يراعى أنه كلما زادت قيمة التعزيز، كلما زاد احتمال تكرار حدوث السلوك المرغوب، مع الوضع في الاعتبار ضرورة مراعاة كمية ونمط ونوع التعزيز المقدم، حتى لا يفقد التعزيز أهميته.

وننوه إلى أنه ينبغي حجب التعزيز أو تقليله عن المتعلم، كلما زاد احتمال حدوث السلوك المرغوب، بشرط أن يكون المتعلم لم يشبع نفسه من هذا التعزيز، ويستخدم هذا المبدأ مع أساليب التعزيز السلبية، التي تؤدي إلى تكرار حدوث السلوك المرغوب.

.

ودي ومحبتي.

حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.

هاشتاج:

مصر      |      المصدر: المساء    (منذ: 2 أسابيع | 2 قراءة)
.