هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشتباك جديدة بالمنطقة؟

يبدو أن الخيارات الإسرائيلية صعبة ومعقّدة في الرد على الضربة الإيرانية من حيث توقيت الضربة وحجمها، لأنها تصطدم بمحددات ومواقف متعددة، ومنها موقف واشنطن غير المعني بالحرب مع إيران والرافض توسيعَ الصراع في المنطقة لحسابات كثيرة تتعلق بالتنافس الدولي مع روسيا والصين، وكذلك اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، بالإضافة إلى أنّ إسرائيل عالقة في غزة ومستنزَفة، ولن تكون قادرة على الذهاب إلى فتح هذه الجبهة على الأقل في الوقت الحاضر.

ولكن من يراقب التصريحات والتهديدات الإعلامية لقادة الاحتلال يجد أنها لا تتسق ولا تتناسب مع الضربة التي وجهتها إيران لإسرائيل، لكون الرد الإسرائيلي جاء ضعيفًا ومبهمًا وغامضًا في مدينة أصفهان، بحيث لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن هذه الضربة إلى يومنا هذا، لاسيما أن هذه الضربة لم تؤدِّ إلى خسائر تذكر على جميع المستويات: العسكرية والاقتصادية والمدنية.

إنّ الضربة الإيرانية أعادت تأهيل إسرائيل لدى الغرب، حيث تعاني من عزلة خارجية كبيرة، حيث هُرع الغرب إلى تقديم الدعم الكامل للتصدي للهجوم الإيراني، وقد بدا ذلك واضحًا في السياسة الأميركية التي تحوّلت من الانتقاد والدعم المشروط لحكومة نتنياهو إلى الدعم الكامل والمشاركة في التصدّي للهجوم الإيراني، علمًا أن الحكومات الغربية بصورة عامة، تمر بمرحلة حرجة جدًا أمام شعوبها والعالم؛ نتيجة الدعم الكامل الذي تقدمه لحكومة نتنياهو على المستويات: السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكونها أظهرت سياسة مزدوجة في التعامل مع قضايا المنطقة، وخاصة الإنسانية منها، لا سيما أنها انتقدت روسيا على جرائمها في أوكرانيا، وبنفس الوقت دعمت جرائم الإبادة الجماعية التي تنفّذها إسرائيل في قطاع غزة على مرأى ومسمع العالم الغربي المتحضّر الذي ينادي بحقوق الإنسان.

ناهيك عن فشل المنظمات الأممية التابعة للأمم المتحدة في وقف هذه المجازر أو حتى إدانتها؛ بسبب الدعم الأميركي والغربي لحكومة الاحتلال؛ بحجة الدفاع عن النفس، بل إنها شريكة في هذه الجرائم ضد الإنسانية؛ لكونها هي من تقدم السلاح، فالذي يستطيع إدخال الأسلحة لإسرائيل لقتل المدنيين، يستطيع إدخال المساعدات الطبية والغذائية، ولكنها وفق سياسة التجويع.

الحرب النفسية والتهديدات الإيرانية لقد أحدثت التصريحات الإيرانية رعبًا كبيرًا في الداخل الإسرائيلي، قبل تنفيذ الضربة التي جاءت ردًا على ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل/ نيسان الجاري، وذلك من خلال زيادة وتيرة الحرب الإعلامية والنفسية بإطلاق القادة الإيرانيين الكثير من التهديدات والتصريحات التي تتوعد بالرد على هذه الضربة التي أدّت إلى مقتل العديد من قادة الحرس الثوري الإيراني، ومنهم "العميد محمد رضا زاهدي"، قائد قوات فيلق القدس في سوريا ولبنان، وهو مكلف بقيادة وإدارة العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، حيث يقول "حسين علايي" القيادي في الحرس الثوري: "إن أفضل الرد هو إبقاء إسرائيل في خوف دائم"، علمًا أن هذه الضربة أثبتت الفشل الاستخباري الكبير للمنظومة الأمنية الإسرائيلية التي لم تقدر عواقب هذه الضربة وتداعياتها على الأمن القومي الإسرائيلي.

لقد اتّهم وزير الخارجية الإيراني "حسين عبد اللهيان" الولايات المتحدة الأميركية بإعطاء الضوء الأخضر لقصف القنصلية الإيرانية، بينما قال المرشد الإيراني علي خامنئي: "يجب أن تعاقب إسرائيل وستعاقب"، وقد حاولت الولايات المتحدة الأميركية التواصل مع إيران عن طريق العديد من دول المنطقة، لنزع فتيل الأزمة ومنعها من التحوّل لحرب إقليمية، ولكنها فشلت في ثني إيران عن الرد، خصوصًا أن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول جعلت إيران أكثر جرأة على كسر الخطوط الحمراء مع تل أبيب التي بدت ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها.

علمًا أن هناك تسريبات تشير إلى أن الضربة ستكون محدودة، ولن تؤدي إلى توسيع الصراع في المنطقة، وأن واشنطن صرّحت بأنها ملتزمة بأمن إسرائيل، وستقوم بمساعدة إسرائيل للتصدي للهجوم الإيراني، ولكنها لن تشارك بأي هجوم على إيران؛ لكونها لا تريد تصعيدَ وتوسيع الصراع في المنطقة.

الإصرار الإيراني على الردّ إن إصرار إيران على الرد العسكري على إسرائيل له دوافعه الداخلية والخارجية فلا يمكن السكوت عن توجيه ضربات مباشرة للسيادة الإيرانية دون أن يكون هناك عقاب أو ردّ يتناسب مع التجاوزات الإسرائيلية؛ لإعادة رسم خطوط حمراء، وقواعد اشتباك جديدة، خصوصًا أن الضربة الإسرائيلية جاءت خرقًا سافرًا لقواعد الاشتباك المعمول بها سابقًا في المنطقة بين الجانبين، والتي كانت تتسم بالمواجهة غير المباشرة جغرافيًا من خلال الضرب في مناطق النفوذ الإيراني.

كما أن إيران ترى أن قواعد الاشتباك بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 قد تغيّرت بالنسبة للقيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية بعد تآكل منظومة الردع لديها، لذا فهي لن تقبل ولن تنتظر بعد اليوم عملية عسكرية جديدة على غرار التي جرت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما أن مكانة إيران الإقليمية والدولية أصبحت على المحك أمام شعبها وحلفائها في المنطقة، وأن نفوذها في سوريا مهدد بالزوال بعد ضرب أهداف سيادية إيرانية، مما يستدعي الردّ، واستعادة الردع العسكري لوقف هذه الهجمات.

محددات الردّ الإيراني لا شكّ أن محددات الرد الإيراني كثيرة فيما يخصّ توجيه ضربة لإسرائيل، خصوصًا أننا وصلنا إلى ذروة التصعيد الذي يمكن أن ينتقل إلى مواجهة محدودة أو إلى مواجهة شاملة ومفتوحة، ما يعني أننا نذهب إلى حرب أقل ما يمكن أن نطلق عليها حربًا إقليمية، خصوصًا إذا دخلت فيها أطراف أخرى كالولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، وهذا يعني أن النفوذ الإيراني في المنطقة، سيتعرض لهزات قوية قد تؤدي لزواله أو إضعافه في حالة المواجهة المفتوحة، لا سيما إذا استهدفت المصالح الأميركية في المنطقة.

يضاف إلى ذلك أن إيران لن تستطيع تحمّل التداعيات والتبعات في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها وسط تحديات الوضع الداخلي السيئ الذي يعاني من نقاط ضعف أمنية كبيرة على مستوى المنظومة الأمنية الإيرانية، والتهديدات الداخلية المسلّحة وأقصد هنا "جيش العدل" الذي توغل في الفترة الماضية إلى عمق الأراضي الإيرانية في "سيستان" و"بلوشستان" في مدينتي "راسك" و"تشابهار"، ودارت مواجهات عنيفة مع الحرس الثوري الإيراني، ما يعني أنها رسالةُ فوضى وتهديدٍ مباشرةٌ للعبث في الداخل الإيراني، وكذلك الجماعات الكردية المسلحة المتواجدة في شمال العراق، وكذلك "جماعة مجاهدي خلق" وإمكانية حصولها على الدعم الدولي في حال تحوّل الصراع إلى مواجهات مفتوحة، ناهيك عن الوضع الاقتصادي السيئ، والوضع الإقليمي الرافض النفوذَ الإيراني بالمنطقة.

تقييم الضربة الإيرانية لقد تباينت التقييمات العسكرية والسياسية فيما يخصّ الضربة الإيرانية لإسرائيل، فهناك من ذهب إلى أنها مسرحية بإخراج بائس، بينما وصفتها إيران بأنها انتصار، وأنها كانت ضرورية لوضع حدّ للعربدة الإسرائيلية في التعامل مع المصالح الإيرانية المباشرة وغير المباشرة، ما يعني أنها كانت ملحّة لاستعادة الردع الإقليمي، دون الانخراط في مواجهة شاملة قد تشعل المنطقة بأكملها.

وهذا يفسر لنا تبليغ بعض دول المنطقة من قِبل إيران بأن اشتراك القواعد الأميركية في أي عمل هجومي ضد طهران سيجعلها أهدافًا مشروعة للقوات الإيرانية، علمًا أن إيران أطلقت على هذه العملية العسكرية ضد إسرائيل تسمية "الوعد الصادق"، حيث أطلقت أكثر من (130) طائرة مسيرة مفخخة و(120) صاروخًا باليستيًا و (30) صاروخ كروز في 14 أبريل/ نيسان الجاري، بحسب ما أحصته صحيفة "واشنطن بوست" علمًا أن الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" وصف الهجوم بأنه "كان إجراء محدودًا وعقابيًا"، لا سيما أن الهجوم استمرّ عدة ساعات.

لقد حملت الضربة الإيرانية رسالة واضحة تقول؛ إن قواعد الاشتباك قد كُسرت، وإن الأمور ستختلف بعد اليوم على جميع المستويات – وخاصةً على المستويَين: الإستراتيجي والعملياتي – لأن إسرائيل قامت بانتهاكها، ما يعني أن تهديد الأمن القومي الإيراني سيقابل بالمثل، ولن يتم تجاهل أي هجمة بعد اليوم، على الأقل حسب التصريحات التي صدرت، علمًا أن الضربة التي نفذتها إيران لا تحمل أيّ قيمة عسكرية من ناحية التدمير المادي، لكون المسافة بعيدة، والطائرات المسيرة بطيئة وغير متطورة، وكذلك صواريخ كروز التي كانت في غالبها من الجيل الأول، وهي قديمة وغير متطورة أيضًا، قياسًا بما وصلت إليه الترسانة الصاروخية الإيرانية.

وهو الأمر الذي أدّى إلى نجاح إسرائيل وحلفائها في التعامل مع التهديد الإيراني، بعد أن تم إسقاط أكثر من 99% من الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، لا سيما أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا شاركت عمليًا في التصدي للهجوم الإيراني، علمًا أن إسرائيل تقول إن دفاعاتها الجوية ومنظوماتها الصاروخية نجحت في إسقاط أكثر من 84% من الصواريخ والطائرات الإيرانيّة.

القدرات الإسرائيلية وإمكانية الردّ قبل أن أخوض في القدرات العسكرية الإسرائيلية وإمكانية الرد على إيران، لا بد لي أن أستعرض الموقف العسكري لأقول في هذا: إن فتح جبهات متعددة من مناطق جغرافية مختلفة، يزيد من إضعاف القدرات العسكرية الإسرائيلية، ويخفف الضغط على قطاع غزة، علمًا أن إسرائيل تواجه تهديدات خطيرة، وعلى جبهات متعددة، ومنها الجبهة الشمالية مع لبنان التي تتزايد فيها العمليات العسكرية، وكان آخرها وأقواها عملية "عرب العرامشة" التي أدت إلى سقوط (18) جنديًا بين قتيل وجريح، فيما تتصاعد المواجهات والاشتباكات في الضفة الغربية، بينما تستمر العملية البرية في غزة، والتهديد بالذهاب إلى معركة رفح، ناهيك عن جبهة الحوثي، وكذلك تنفيذ المجاميع المسلحة العراقية التابعة لإيران بعضَ الضربات على أهداف داخل الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى الجبهة السورية.

وهو الأمر الذي يجعلنا نقول؛ إن هناك إنهاكًا واستنزافًا للقدرات العسكرية؛ نتيجة الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيش الإسرائيلي على الصعيد الميداني، حيث بدأت تظهر بعض الأرقام عن هذه الخسائر، ومنها وجود (7200) معاق منذ بدء العملية العسكرية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حسب ما أقرت به شعبة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وقال موقع "والا" الإسرائيلي: إن تل أبيب تسجل يوميًا (60) معاقًا، ناهيك عن عدد القتلى في الجيش الإسرائيلي.

الأمر الآخر، أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص كبير في الذخائر والمعدات على الرغم من أن إسرائيل دولة مصنِّعة للأسلحة والمعدات العسكرية، وتتلقى دعمًا عسكريًا ولوجيستيًا كبيرًا من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا، والكثير من الدول الغربية، مما يعني أن فتح أي مواجهة جديدة مع إيران سيكون ضربًا من الجنون على المستوى العسكري، لا سيما أن الوضع الداخلي محتقن ضد حكومة "نتنياهو" حيث يتّهم بتغليب مصالحه الشخصية على مصالح البلد.

وهناك انقسام على المستويَين: السياسي والعسكري، وهناك تردٍّ على المستويَين: الاقتصادي والاجتماعي، مما يعني أن فتح جبهة إيران بصورة حقيقية سيكون مغامرة ومجازفة غير محسوبة؛ لأنها ستختلف عما تخوضه من معارك في قطاع غزة، لأننا نتكلم عن دولة تمتلك من القدرات العسكرية الكثير، ما يمكنها من جعل المواجهة العسكرية قاسية وعنيفة ومدمّرة.

وقد بدأت الأصوات ترتفع للذهاب إلى انتخابات مبكرة، كما أن هناك مطالبات قوية بإبرام صفقة لتبادل الأسرى، وهذا يجعلنا نقول؛ إن تقدير الموقف على جميع المستويات لا يسمح لإسرائيل بأن تقوم بأي ضربة عسكرية وازنة وعنيفة ضد إيران، على الأقل في هذه الفترة، لأنها لن تتحمل تبعات هذه الضربة في حال قررت إيران أن ترد بقوة، لا سيما أن أي ضربة ستكون مختلفة عما ذهبت إليه إيران في 14 أبريل /نيسان عندما تم إسقاط جميع الطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل، خصوصًا إذا اشترك وكلاء إيران في هذا الردّ! طائرات مسيرة تضرب في أصفهان سأبدأ في طرح سؤال مهم لمناقشة هذا العنوان وهو: هل يمكن لنا أن نعتبر إرسال ثلاث طائرات إسرائيلية مسيرة طراز "كواد كوبتر" إلى إحدى القواعد الجوية في أصفهان ردًا عسكريًا إسرائيليًا وازنًا يوازي الضربة الإيرانية التي لم يتمخض عنها أي خسائر مادية ؟، أم أن كلا الهجومين لا يشكلان قيمة عسكرية؟، وبالتالي هي رسائل سياسية بوسائل عسكرية متبادلة، لا يرمي فيها الطرفان إلى التصعيد والمواجهة الشاملة، ولكن يراد منها استعراض القوة، وتذكير الطرف الآخر بما يمكن القيام به!، خصوصًا أن إسرائيل أزبدت وأرعدت وهددت بالرد على إيران، ولكن يبدو أن الأقوال ليست كالأفعال، وكما يقول المثل: "تمخض الجمل فولد فأرًا".

ويكفي أن أصف الضربة الإسرائيلية على إيران بما قاله وزير الأمن القومي الإسرائيلي إتيمار بن غفير "بأنه مسخرة"، فإرسال ثلاث طائرات مسيرة صغيرة الحجم إلى مدينة أصفهان التي تعج بالأهداف النووية والاقتصادية والتصنيعية والجوية دون استهداف أي منها أو التسبب في أي خسائر فيها، يثير الكثير من علامات الاستفهام؟ لذا نقول؛ هي ضربة محدودة غير مؤثرة ولا يعتد بها، علمًا أن الطائرات اقتربت من إحدى القواعد الجوية وتم التعامل معها وإسقاطها جميعًا من قبل الجيش الإيراني، كما أن إيران تعاملت مع الهجوم على أنه عمل وحادث أمني ليس إلا!، ولم توجه إيران الاتهام لإسرائيل على هذا الحادث إلى الآن، وهناك من يقول؛ إنها أطلقت من الداخل الإيراني من خلال عملاء تابعين لإسرائيل.

الأمر الآخر الذي نود الإشارة إليه؛ هو إذا كانت إسرائيل تقف وراء هذا الهجوم، فهل يمكن لنا أن نسميه هجومًا وردًا عسكريًا وازنًا على إيران؟، أم حادثة أمنية لا تستحقّ الردّ عليها! ولا يوجد هجوم خارجي، كما تقول إيران، وإذا كانت هذه الطائرات عبارة عن هجمات لجسّ واستطلاع الوضع في المنطقة، فهذا يعني أن إمكانية الرد الإسرائيلي على إيران لا تزال قائمة، خصوصًا أن هذا الهجوم لا يتّسق مع الهجوم الإيراني على إسرائيل كردّ وهجوم مقابل، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة هذه الضربة التي لا تشكل أيّ قيمة عسكرية على المستويين: الإستراتيجي والعملياتي، بل إنها حطت من هيبة الجيش الإسرائيلي أكثر من السابق؛ لعدم قدرته على الردّ بنفس مستوى الهجوم الإيراني.

وتأتي هذه الضربة في ظل محادثات أميركية – إسرائيلية ناقشت الرد دبلوماسيًا مرفقًا بعقوبات أميركية على كيانات وشخصيات إيرانية؛ للمحافظة على التحالف الذي وقف مع إسرائيل في ردّ الهجوم الإيراني، أو أن يكون هناك رد عسكري رمزي المراد منه إيصال رسالة مفادها أنّ إسرائيل تستطيع أن تنفذ ضربات في الداخل الإيراني، وأن الضربة الإيرانية لن تثني إسرائيل عن تنفيذ هذه الضربات، ولن يتم استعادة الردع الإقليمي، كما تقول إيران، ولن يتم تغيير قواعد الاشتباك الجديدة التي وضعتها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول والتي تجاوزت فيها إيران الخطوط الحمراء بالانتقال من حرب الظل إلى الضربات المباشرة، لأن إسرائيل تخشى من تآكل إستراتيجية الردع الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

إسرائيل لن تردّ بقوة على إيران إلا في حالات معينة لا شك أن إسرائيل تعاني معضلة أمنية وسياسية كبيرة وخطيرة داخليًا وخارجيًا؛ لأن هناك معادلة جديدة تفرضها تطورات المنطقة على مستوى القضية الفلسطينية، وعلى مستوى المنطقة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لذا نرى أن هناك تباينًا في الرد بين إيران وإسرائيل، حيث أعلنت الأولى نيّاتها في الرد وأرسلت أكثر من (300) طائرةٍ مسيرة وصاروخٍ باليستي وكروز، بينما التزمت إسرائيل الصمت والغموض والترقب حيال هجوم أصفهان، ولم تجرؤ على إعلان مسؤوليتها عن الهجوم إلى يومنا هذا! وهذا يعتبر ردًا غير مسبوق ينمّ عن ضعف كبير في إستراتيجية الردع، على رغم التسريبات التي أعلنتها صحيفة "واشنطن بوست" التي تقول؛ إن مسؤولًا إسرائيليًا كبيرًا يقول: إنه تم شن غارة جوية على إيران ردًا على الهجوم الإيراني في 14 أبريل /نيسان، لذلك نقول؛ إن إسرائيل لن تذهب إلى تنفيذ ضربة عسكرية معتبرة ووازنة لإيران إلا في الحالات التالية: أن يكون هناك ضوء أخضر أميركي بتنفيذ ضربة عسكرية لإيران، ما يعني أن أميركا قررت الذهاب إلى توسيع الصراع في المنطقة حسب مقتضيات الأمن القومي الأميركي، خصوصًا مع وجود هذا الحشد العسكري الأميركي الكبير في المنطقة، بما في ذلك وجود غواصات نووية، وحاملات طائرات، وقطع بحرية، ناهيك عن القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة.

الأمر الذي استوجب السماح لإسرائيل بتنفيذ مثل هذه الضربة على إيران، ما يعني أن هناك حسابات أميركية دقيقة في معرفة ردود الفعل على هذه الضربة، لأن واشنطن لن تقف متفرجة على ضرب إسرائيل، والدليل على ذلك هو التصدي للهجوم الإيراني في 13 أبريل /نيسان الماضي، وأعتقد أن إدارة بايدن لا تريد هذا الخيار على الأقل في الوقت الحاضر، لأسباب كثيرة منها  اقتراب الانتخابات الأميركية، وكذلك حسابات التنافس مع الصين وروسيا من ناحية القوة والنفوذ على المستوى الدولي، وكذلك لا تريد الانغماس في حرب إقليمية في هذه المنطقة التي تعجّ بالمصالح الأميركية.

الأمر الثاني؛ هو أن إسرائيل دولة نووية ويمكن لها أن تذهب إلى التصعيد معتمدةً على ما تمتلكه من ترسانة نووية، بحيث يمكن أن تستخدم قنابل نووية تكتيكية للردع، خصوصًا إذا ما رأت أنها مهددة من عدة جبهات، مما يعني استخدام الأسلحة النووية للردع على غرار ما جرى في ناغازاكي وهيروشيما في اليابان؛ لإجبار هذه الجهات على وقف التصعيد والقبول بما تريده إسرائيل بالمنطقة، ولكن السؤال الخطير هو: إذا تبين أن إيران تمتلك هذه الأسلحة سواء بالتصنيع أو بالشراء من الاتحاد السوفياتي السابق، فكيف ستتعامل إسرائيل مع هذا التطور الخطير؟ ميادين أخرى يمكن الرد فيها لا شك أن هناك ميادين أخرى يمكن الرد فيها من خلال استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، على غرار ما يجري في جميع هذه الساحات سابقًا من خلال استهداف المواقع العسكرية والاستخبارية ومواقع الدعم اللوجيستي، مما يعني أن هذا الخيار سيبقى ضمن قواعد الاشتباك القديمة التي تشمل الضرب في ساحات غير مباشرة، ولكن ماذا لو تم استهداف قيادات ومواقع عسكرية إيرانية؟، كيف سيكون الموقف الإيراني الذي يقول؛ لن نسمح باستهداف المواقع الإيرانية في جميع الساحات بعد الآن؟!، وأي استهداف لن يمر بلا عقاب.

أن تكون الهجمات الإسرائيلية سيبرانية وإلكترونية تشمل جميع المواقع النووية والعسكرية والمدنية ومصانع الأسلحة والذخائر بما فيها المصالح الاقتصادية، مما يعني أن المواجهة انتقلت لتشمل ميادين أخرى، سبق أن تم استهدافها، وإن كانت عسكرية وحيوية مهمة أو أمنية واستخبارية، ولكنها ستؤثر بصورة مباشرة على الوضع العام للدولة، مما يعني تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الإيراني، ولكن في ميادين أخرى.

يبدو أنّ إيران وإسرائيل لا تريدان الذهاب إلى مواجهة مفتوحة على الأقل في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها الطرفان، كما أن هذه الرؤية جاءت متوافقة مع رؤية الولايات المتحدة الأميركية التي لا تريد توسيع الصراع في المنطقة التي تعجّ بالمصالح الأميركية، كما أن هذه الضربات لا تحمل قيمة عسكرية إستراتيجية ما عدا تبادلًا للرسائل واستعراضًا للقوة، ومحاولة رسم السيناريوهات المقبلة لكلا الطرفين.

ويبدو أن كلا الطرفين له من يقف وراءه في الدعم والإسناد، مما يعني أن قرار المواجهة ليس مستقلًا عن الأحداث والتطورات التي تجري في المنطقة حسب أولوية التهديد والقدرة على مواجهته، خصوصًا أن غادي آيزنكوت يقول: "إن العدو الأضعف في الشرق الأوسط ألحق بنا الضرر الأكثر شدة"، مما يعني أن أي مواجهة مع إيران ستكون مدمرة وقاسية، خاصةً إذا كانت المواجهة حقيقية بين الجانبين، وسيبقى هذا مرهونًا بتطورات الأحداث في المنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 1 أسابيع | 4 قراءة)
.