من العمل بالحقول إلى جحيم العزلة .. الشابة روان خرجت لتعمل ورجعت مشوهة

من العمل بالحقول إلى جحيم العزلة ..  الشابة روان خرجت لتعمل ورجعت مشوهة

سرايا - لم يغلق أحد أبواب منزلها، ولا يوجد ما يمنعها من مغادرته، رغم ذلك اختارت العشرينية روان مقهورة أن تحبس نفسها في غرفتها، مستسلمة لقدرها، الذي انتهت محاولات تغييره، عند عجزها تحصيل حقوقها، وعدم قدرتها على دفع تكاليف علاج ما أحدثه حريق تعرضت له أثناء عملها بالزراعة، شوه وجهها وجسدها.

روان ابنة لأسرة تقطن في الغور الشمالي وتعاني ظروفا صعبة، خرجت في ذات يوم للعمل في مزرعة لقطف أوراق العنب بأجور رمزية، ذلك اليوم الذي لن تنسى أدق تفاصيله، فهو مطبوع ليس فقط في ذاكرتها، بل ووشمت أحداثه كل جسدها وكتبت معالمه بقية حياتها.

تقول روان عن ما حدث معها، "بعد يوم شاق من العمل، دخلت المطبخ الموجود في المزرعة التي أعمل بها، هو عبارة عن عريشة من القصب، وضعت ابريق الماء على الغاز، لإعداد الشاي للعاملات، لم أكن أعلم أن بجانب الغاز يوجد مادة البنزين سريعة الاشتعال، ربما التعب والإرهاق يجعل المرء غير قادر على ادراك ما حوله".

وتتابع: "ما إن أشعلت نار الغاز، حتى امتدت السنة اللهب إلى البنزين الذي كان متطايرا بالمكان، أقل من لحظات وامسكت النيران بملابسي، بدأت أصرخ، لم استطع إنقاذ نفسي، اشتعلت النيران بكامل ملابسي وبدأت أشعر بآلام النار تحرق جلدي".

وتضيف، "صرخت أكثر وأكثر، كنت اعتقد أنها آخر الصرخات، فلم يسمعني أحد، لثوان أحسست انها نهايتي، لحين أن حضر صاحب العمل الذي بدت عليه كل معالم الخوف والارتباك، لم يكن يعلم كيف يتعامل مع الموقف، ولم يكن بحوزته رقم الدفاع المدني، بدأت أرى لحمي وهو يذوب ويتساقط على الأرض، والدماء تنزف مني".

تقول روان، "شاء القدر أن تكون سيارة قريبة من موقع الحادث، حملوني إلى المستشفى عبر طريق ضيق ووعر، هكذا هي طرق الغور عموما، كانت هناك صعوبة في الوصول إلى المستشفى، كنت اسمع أصوات من حولي وهم يهمسون لبعضهم، لن تنجو ستموت حتما".

وتردف، "وصلت المستشفى، كنت أحس بردة فعل الأطباء عندما استقبلوني، اذكر أنهم أصيبوا بالهلع، كانت الكوادر الطبية والتمريضية تتراكض، بدأ بعضهم بتمزيق ما تبقى من ملابسي".

ضياع الحقوق تحتغطاء القضاء والقدرتفاصيل روتها روان عن ما حدث لها بعد أن نجت من موت محقق، ولكن بحياة مشوة، جعلتها مكبلة وغير قادرة على إكمالها خارج جدران منزلها.

روان ليست الحالة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة لعاملات يتعرضن لإصابات عمل في القطاع الزراعي، وتضيع حقوقهن، ولا يحصلن إلا على تعويضات بسيطة تحت مفهوم "جبر الخاطر".

فتحت غطاء "القضاء والقدر"، ضاعت حقوق روان، كغيرها من عشرات العاملات في قطاع الزراعة، تعرضن لحوادث مختلفة أثناء العمل، ولم تسجل رسميا، بل احتفظت في سجلات "العتب والعشم" الاجتماعي، وطويت في جلسة "مخاجلة" و"لملمة" الموضوع، كلفت الضحية وذويها عناء استقبال الطامعين بإسقاط الحق.

في حادث روان، كانت الأجهزة الأمنية قد باشرت التحقيق، وتم توقيف صاحب العمل الذي يحمل جنسية من دولة عربية، وبعد التحقيق تم الإفراج عنه، كونه غير مدان بالحادث.

ووفق ما أكدته روان، فقد حرص صاحب العمل على زيارتها بالمستشفى وبشكل دوري، كان يعرض على أسرتها بعض المال لمساعدتها، لحين أن وثق به والدها وتنازل عن القضية، معتبرا أن ماحدث "قضاء وقدر"، ليقوم بعدها صاحب العمل بترك كل شيء والسفر خارج الأردن، قائلة "بقيت أنا أسيرة آلامي، ومعاناتي، ابحث في الوهم عن استكمال علاجي المكلف، إذ احتاج إلى عدة عمليات تجميلية كلفتها باهظة جدا، ولا أقدر عليها، لا سيما وأني لا أمتلك أي تأمين".

وتتساءل روان عن دور الجهات المعنية في مثل هذه الحوادث، ولماذا لا يتم حفظ حقوق العاملات في القطاع الزراعي.

أبو محمد الجندي والد روان، ورغم أنه يرى بأن ما حدث لابنته قضاء وقدرا، إلا أنه يتساءل عن وجود جهات معنية تحمي عمال الزراعة، قائلا "ربما يجب تفعيل قانون يلزم أصحاب العمل بحماية العمال لديه ويكون مطبقا على جميع الحوادث التي يتعرض لها العمال أثناء العمل بالزراعة".

الجندي يشير أيضا إلى أن ابنته لم تكن الضحية الأولى لمثل هذه الحوادث، بل هناك العديد من العاملات اللواتي تعرضن إلى إصابات عمل ولم يعترف صاحب العمل بحقوقهن، ومنهن من تعرضن لوفاة، وبعضهن لتشوه، ومثل روان المئات وربما آلاف العاملات في الحقول والحيازات الزراعية، ويعملن بظروف صعبة قاسية وأجور زهيدة ولساعات عمل طويلة وبدون أي حماية اجتماعية أو صحية.

عاملات بالزراعةيجهلن حقوقهنما قاله والد روان، لا يبتعد عن حالة زوجته التي تعيش واقعا حقيقيا يعكس غياب الحقوق وعدم الالمام بها.

تقول الزوجة، إنها ايضا تعمل في القطاع الزراعي، ومنذ سنوات طويلة، ولم تحصل حتى الآن على أي حقوق عمالية، ولكنها تسمع عن تلك الحقوق فقط، ولا تعرف ماهيتها، وكيف يتم تحصيلها.

وتوضح أن لديها ثلاث فتيات، جميعهن يعملن في القطاع الزراعي جراء الظروف المالية الصعبة، كما ان لديها فتاة من ذوي الإعاقة الخاصة، ويعاني زوجها من عدة أمراض مختلفة، وكان أجرى العديد من العمليات، منها عمليات تركيب شبكة قلبية، ويعاني من عدم التروية في القدم، وتجمع سوائل على الرئة.

أم روان التي انهارت بالبكاء وهي تتحدث عن حالة أسرتها، تقول "لم أعد أرغب بدخول المنزل، فكلما نظرت إلى ابنتي اسودت الدنيا بوجهي، أشاهدها وهي تتألم، وأحس بوجعها من الداخل، ولا استطيع أن افعل لها شيئا، اتمنى أن نحصل على إعفاء طبي لاستكمال علاج روان علها ترجع إلى الحياة من جديد".

وتحصل الأسرة التي تستعين بالعمل الزراعة الموسمي، على مبلغ 100 دينار شهريا، من الدعم التكميلي، لكنه لا يكفي لسد ابسط التزاماتها الشهرية.

نقابة "عمال الزراعة"ومخاوف الانتساب يقول رئيس النقابة المستقلة للعاملات وعمال الزراعة في لواء الغور الشمالي مثقال الزيناتي إن هناك العديد من الحوادث العمالية، التى وقعت بحق العاملات في الزراعة، منها الحرق، ولدغة الأفاعي والعقارب، واحيانا الغرق، أو حوادث التماس الكهربائي، وضربات الشمس وحوادث آخرى، قد تحدث وتلحق الضرر بالعاملات في أي وقت.

وبين أن غالبية العاملات تضيع حقوقهن جراء ضعف معرفتهن بالحقوق العمالية، إذ يتم حل جميع الإشكاليات العمالية بطرق عشائرية، كما أن هناك تخوفا لدى العاملات من الانتساب إلى النقابة، لاعتقادهن بأنها ذات ميول وانشطة سياسية، وهو ما يبقي غالبيتهن خارج أي مظلة حقوقية أو توعوية أو تأمينية.

وبين أن عمر النقابة قياسا لحجم العمل والمطلوب منها قصير جدا، ولكن ستعمل النقابة على حل تلك الإشكاليات للعاملات اللواتي انتسبن لها.

غياب إحصائيةعن إصابة العمل الزراعييقول الزيناتي، لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد الحوادث والإصابات التي تعرض لها العاملون بالزراعة في الأغوار الشمالية، لكنه يقدر وجود 3 حوادث على الأقل في كل عام تؤدي إما الى إعاقه بدرجات مختلفة أو الموت، مستندا بذلك الى خبرته الطويلة بالعمل الزراعي والدفاع عن حقوق العمال.

من جانبه، أكد مدير مكتب عمل الشونة الشمالية المهندي احمد الطوالبة، أن مكتب العمل هو مكتب فقط، وليس مديرية، ويقتصر عمله على تصاريح العمل، مشيرا إلى أن عملية مراقبة أصحاب العمل مسؤولية قسم التفتيش في المديرية التابعة لمحافظة إربد، في وقت أقر مصدر من ذات المكتب "أن العملية الزراعية في الأغوار الشمالية غير منظمة، وتشهد حالة من الفوضى ولابد من تنظيمها".

ويؤكد مدير مكتب عمل مديرية العمل في إربد خالد الهياجنة في هذا الخصوص أن دور المديرية يتركز على حملات التفتيش والتأكد من الالتزام بساعات العمل.

وأقر الهياجنة أن هناك حالة من الفوضى في مزارع الأغوار، إذ يبدأ العمل منذ ساعات الفجر وينتهي عند الساعة العاشرة صباحا، لذا لا يتسنى للموظفين ضبط أو تفتيش أو التأكد من الالتزام بكامل الشروط ومنها السلامة العامة للعمال في اماكن العمل بشكل كاف.

واعتبر أن اشكالية العمل الموسمي بالزراعة تبقي جميع القضايا في القطاع الزراعي غير منظمة.

متى تبدأ الحماية الشاملةلعمال الزراعة؟ بدورها قالت المدير التنفيذي لمنظمة تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش "إن قانون الضمان الاجتماعي المعدّل للعام نصّ على شمول العاملين في القطاع الزراعي، أي العاملين في الحيازات الزراعية تحديداً، ولا سيما شمولهم بتأمين إصابات العمل وتأمين الأمومة كمرحلة أولى، لكن مرحلة الشمول لم تبدأ بعد، وأعتقد أنه آنَ الأوان لتبدأ مؤسسة الضمان مرحلة مهمة من مراحل توسيع نطاق تغطيتها التأمينية لتشمل هذه الفئة التي كما قلت تتعرض لظروف عمل قاسية، وهي أحوج ما تكون إلى الحماية الاجتماعية من خلال شمولها بمظلة الضمان".

وتطالب كلش بتطبيق نظام العاملين في الزراعة على أرض الواقع، خاصة ما يتعلق بالتسجيل بالضمان الاجتماعي وشمول العمال بتأمين إصابات العمل، خاصة بعد حرمان عمال الزراعة من حقوقه، حيث بقوا 12 عاما بلا قانون ينظم حقوققهم حتى صدر نظام عمال الزراعة في آذار/ 2021 بهدف تعزيز الحمايات الاجتماعية والعمالية للعمال والعاملات في الزراعة والحد من الانتهاكات التي يتعرضون لها، وشمولهم في قانون العمل والنظام الصادر عنه.

وفيما يتعلق بتأمين إصابات العمل قالت كلش "على الرغم من أن النظام ألزم صاحب العمل بإشراك العاملين لديه في الضمان الاجتماعي، بحسب المادة رقم (12)، لكن على أرض الواقع لا يتم ذلك، ما يعني أنه في حال تعرضت العاملات أو العمال لإصابات عمل يتحملون هم تكلفة العلاج".

وفي هذا الجانب بينت كلش أن تمكين ترصد العديد من إصابات العمل في قطاع الزراعة إما بسبب تعرضهم لضربات شمس أو لدغات الافاعي، او بسبب عدم توفر أدوات السلامة العامة من قبل أصحاب العمل ما يعرض العمال للجروح وغيرها من الإصابات، كذلك تعرض العمال والعاملات لحوادث سير وهم في طريقهم إلى العمل أو العودة منه بسبب عدم توفير وسيلة نقل آمنة.

وتنتقد كلش اسثناء النظام من أحكامه أصحاب العمل الذين يستخدمون 3 عمال فأقل، ما يحرم العديد من العاملين في الحيازات الصغيرة من حقوقهم المنصوص عليها، رغم تعرضهم لانتهاكات كما غيرهم من عمال الزراعة.

الغد  لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" :

الأردن      |      المصدر: سرايا الاخبارية    (منذ: 1 أسابيع | 4 قراءة)
.