نقطة عمياء.. الحرية المزعومة

مرت مخاطبة الجماهير بمراحل كانت الصحف فيها ثم الإذاعة ثم التلفاز بحاجة لطواقم تكلفها ميزانيات هائلة، ومع بزوغ العصر الرقمي ظهر ما يعرف بصانع المحتوى المجاني، لتصبح هذه المنصات مصدر جذب للإعلانات.

مرت مخاطبة الجماهير بمراحل كانت الصحف فيها ثم الإذاعة والتلفاز بحاجة لجيش من الصحفيين والمراسلين والتقنيين يكلفونها ميزانيات هائلة لا تقدر عليها إلا الدول وبعض أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، في حرية مزعومة غالبا، فإن صدقت ظلت مقيدة بمصدر التمويل.

ومع بزوغ عصر منصات التواصل الرقمي ظهر ما يعرف بالمواطن الصحفي صانع المحتوى المجاني، لتصبح هذه المنصات بمحتواها الذي لم تنفق عليه مالا ولا جهدا ولا وقتا مصدر جذب لإعلانات تستهدف بدقة جمهورها المناسب، بما تجمعه تلك المنصات من معلومات شديدة الخصوصية عن مرتاديها، لكن ليس مجانا هذه المرة، بل نظير مقابل يدفعه المعلنون لها، فيعود عليها بمليارات من الدولارات سنويا.

وأمام هذا الطوفان الرقمي تراجع الإقبال على الصحف ومحطات الإذاعة والتلفاز، فمنها ما غرق وأغلق، ومنها ما ينتظر، ومنها من تشبث بهذه المنصات كأنها سفن رقمية لعلها تنجيه، فأنشأ حسابات له عليها، ولسان حاله يقول "وداوني بالتي كانت هي الداء".

ولأن الجذب هو الهدف الأول لتلك المنصات تراجعت الكلمة أمام الصورة، وبات توظيفها دون شرح معمق أسلوبا شائعا ظهر معه التصفح الإبهامي كأنه حاسة جديدة تنافس حاستي السمع والبصر.

وتشكل مقاطع الفيديو التي ترفع على الشبكة العنكبوتية 80% من محتواها، فمع كل ساعة تمر يحمل نحو 500 ساعة من مقاطع الفيديو، أي أن اليوم الواحد ترفع فيه مقاطع فيديو يزيد طولها على سنة كاملة من التصوير المتواصل، يصل منها شهريا نحو 6 مليارات مقطع لمليار زائر فريد.

فأي وسيلة إعلامية تقليدية يمكنها مجاراة هذه المنصات؟ هذا المحتوى المجاني تحمس لصناعته كل من لديه شغف حقيقي، فلا هو موظف ينتظم في دوام يومي، ولا منتظر لراتب شهري، فأتى من الجمهور وإلى الجمهور دون قيود إلا من منافسة وطموح، لكن أصحاب منصات التواصل الرقمي كان لهم رأي آخر، ولم يحفظوا الجميل لأصحاب هذا المحتوى الذي أتى إليهم مجانا وطواعية وأدر عليهم المليارات بملاعق من ذهب، فكان التنكيل الرقمي بالمرصاد من خلال حظر أو حجب أو إغلاق آلاف الحسابات -خاصة الفلسطينية- لأغراض سياسية غربية في الأساس لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

تُرى، هل حرية التعبير وهم غربي؟  أم أن منصات التواصل الاجتماعي ليست إلا منصات للتواصل الانعزالي؟ وهل آن الأوان للعرب لأن يتساموا فوق خلافاتهم بتدشين بيتهم الافتراضي؟  أم شُق عليهم بعض من توافق سحابي؟

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 1 أسابيع | 2 قراءة)
.