ورش الحماية الاجتماعية وتثمين العمل اللائق

لعل المتتبع للمسار العام الذي يعرفه عالم الشغل ببلادنا سيلاحظ أن المقاولات المغربية قد خطت في السنوات الأخيرة خطوات متقدمة، لتحسين العلاقات المهنية وترسيخ أسس مناخ اجتماعي يروم تدعيم ركائز العمل اللائق كرافعة للتنمية وسبيلا لتقوية تنافسيتها الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الوطني والدولي، من هذا المنطلق حرصت عل تناول هذا الموضوع لما له من راهنية خصوصا مع الطفرة النوعية التي تشهدها بلادنا في الفترة الأخيرة في المجال الاجتماعي مع تنزيل الورش الملكي السامي المتعلق بالحماية الاجتماعية لفائدة المواطنات والمواطنين المغارية والذي يجد مرجعيته في مخرجات القانون الإطار رقم21/09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، وسيشكل لا محالة منعطفا حاسما ولحظة فارقة لتعميم التغطية الاجتماعية ببلادنا بحلول سنة 2025، وهو ما يستدعي الانخراط الكلي والفاعل لمختلف المتدخلين من أجل ترجمة التوجيهات الملكية السامية على أرض الواقع، وهوما تجاوبت معه الحكومة والقطاعات العمومية المعنية بكل حماس ومسؤولية، حيث تم الشروع في وضع مخطط زمني قصد التنفيذ السليم لكل المحاور التي يتضمنها هدا الورش الإصلاحي الهام الذي يرعاه عاهل البلاد حفظه الله، وارتباطا بالموضوع فقد سارعت الحكومة من خلال برامجها الآنية والمستقبلية على تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية عن طريق إقرار سياسة اجتماعية ترتكز على ضمان تكافؤ الفرص وتثمين الرأسمال البشري ببلادنا.

وتأسيسا على ما سبق، فإن الظرفية الحالية تقتضي مسايرة هذا التوجه ذي الحمولة الرمزية اللافتة والنفس الإصلاحي القوي من طرف كافة الأطراف والجهات المعنية لإنجاحه والدفع بالمؤشرات المرتبطة به لما يخدم المصالح العليا للبلاد، وهو ما يقودنا رأسا للحديث عن مزايا وآثار إقرار العمل اللائق كمنهجية رائدة للرفع من مستوى النجاعة والتنافسية التي من شأنها الارتقاء بالنسيج الاقتصادي والاجتماعي المغربي لمصاف الدول الصاعدة خاصة في ظل الأوراش التي ستعرفها بلادنا استعدادا لتنظيم تظاهرات عالمية كبرى أبرزها “مونديال” 2030.

إن النهوض بالمسؤولية الاجتماعية للمقاولات المغربية يعتبر مدخلا أساسيا لتدعيم مرتكزات العمل اللائق، وهو ما يستلزم تضافر جهود جميع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر قنوات الحوار الاجتماعي الذي أضحى نهجا حكيما تبنته بلادنا منذ التوقيع على أول اتفاق اجتماعي لسنة 1996 مرورا بالعديد من المحطات التاريخية التي أفرزت اتفاقات جماعية لاحقة أسست لثقافة جديدة ببلادنا قوامها التفاوض والتشاور بدل سياسة التشنج والمواجهة وهوما بوأ المغرب مكانة رائدة في هذا المجال حيث أصبح نموذجا يقتدى على الصعيد الإقليمي والدولي، وهنا لا بد من الإشادة بالدور المحوري الذي تلعبه الأطراف المعنية من مركزيات نقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب وسلطات عمومية ممثلة بالخصوص في وزارة التشغيل بواسطة مكونات جهاز تفتيش الشغل على الأصعدة المركزية والجهوية والإقليمية، من أجل تقريب الرؤى وتوفير الدعم اللوجستي، ومواكبة منها لهذه الدينامية، فقد عمدت الوزارة الوصية منذ فترة على سن برنامج وطني لتفتيش الشغل يستهدف مختلف المواضيع والمقتضيات المرتبطة بالعمل اللائق بأولويات وطنية وجهوية، تروم توحيد منهجية العمل وتجويد أساليب المراقبة لمساعدة النسيج الاقتصادي على كسب رهان التموقع وتقوية التنافسية.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} إن بلادنا قد قطعت مراحل متقدمة لتأهيل القطاع غير المهيكل عبر القيام بالعديد من الإجراءات التحفيزية والمشجعة خاصة في ظل ما عاشته جراء تداعيات جائحة كرونا التي أرخت بظلالها على الجانب المعيشي للفئات غير المستفيدة من التغطية الاجتماعية، وقد نجح المغرب بفضل الرؤية الاستباقية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله والتعبئة الشاملة لمختلف الفاعلين في ربوع المملكة في احتواء مخلفاتها، وهو ما أفضى إلى إعطاء نفس إصلاحي وازن لورش الحماية الاجتماعية…… وارتباطا بذلك يأتي الحديث عن العمل اللائق كدعامة للتنمية وتحصين للقطاع المهيكل وتقويته، عبر نسيج اقتصادي منظم يسعى لتطوير آليات اشتغاله ويرقى بالحقوق الأساسية للأجراء بناء على قاعدة -رابح/رابح- داخل فضاء للعمل ينعم الجميع بثماره، ولنا في مجموعة من المقاولات بمختلف مشاربها عبر التراب الوطني نموذجا رائدا لاحترام شروط العمل اللائق متجاوزين بذلك الحقوق التقليدية للأجراء إلى اعتماد مكاسب وامتيازات تمس مختلف الجوانب الاجتماعية من تغطية اجتماعية وتكوين ومحو الأمية وفضاء للعمل صحي وآمن وغيرها….

.

وهو ما يرفع من منسوب الثقة والإنتاجية والاستقرار المؤدي حتما لتعزيز الابتكار وتقوية التنافسية.

إن التفعيل الأمثل لآليات الحوار الاجتماعي المنصوص عليها في مدونة الشغل والمتمثلة في لجان المقاولة والصحة والسلامة المهنية والمصالح الطبية للشغل والأنظمة الداخلية والمفاوضة الجماعية… لكفيل بتسريع دائرة الانخراط في رزنامة العمل اللائق وتأهيل المقولات للحاق بركب القطاع المهيكل خاصة في شقه الاجتماعي، وهنا لا بد من التأكيد على الأهمية البالغة التي أضحت تكتسيها اتفاقيات الشغل الجماعية كإطار تعاقدي مشجع ومحفز للنهوض بالعلاقات المهنية، والتي لا يتم اللجوء إليها مع الأسف إلا عندما تكون الأجواء متوترة بين أطراف الإنتاج وليس العكس، وعلى الرغم من ذلك فإن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التشغيل تؤكد بالملموس الارتفاع الملحوظ في عدد الاتفاقيات المبرمة في السنوات الأخيرة بفضل التعبئة والمواكبة المستمرة لمكونات جهاز تفتيش الشغل على المستوى المركزي والجهوي والإقليمي، وكان من نتائج ذلك استتباب السلم الاجتماعي وتدعيم روح التنافسية والمردودية في تناغم تام مع المصالح المشتركة للأطراف المعنية خدمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 2 قراءة)
.