كاظم الساهر يتألق في 13 أغنية "مع الحب" .. فنان واحد وقبيلة من المبدعين

صدرَ حديثاً للفنان العراقي كاظم الساهر ألبوم “مع الحب”، وذلك بعد ثماني سنوات من صُدور مجموعة “كتاب الحب”، فيما يبدو إصراراً من كاظم على تبَنّي السير في خطى القصيدة، و”الكلمات” الفصيحة، فضلاً عن الاستمرار في الاعتماد على النفس تلحيناً.

تتألّف هذه المجموعة الموسيقية من ثلاث عشْرة أغنيةً، تنافِسُ بعضَها من حيث الكلمةُ واللحنُ والموسيقى والأداء.

على أنّ الاستناد إلى الشعر، في بناء هذا العمل الفني، ينبني على عدِّ النص الشعري فضاءً مفتوحاً، وعالماً متشابكاً من الإشارات اللغوية والصور الشعرية، يجعلُه قابلاً للتأويل بتعدد الإمكانات القرائية.

ألبُوم الوفاء إذا كانت أغنية “يا وفية” فاتحة الألبوم، فإنّ الوفاء عنوانُه الأبرز.

هو وفاءٌ في عدّة اتجاهات.

لكريم العراقي، رفيقِ الدرب الذي غادَرنا بعد أن طرّز مسيرة الساهر بعشرات القصائد، وظلّ شاهداً على نجاحاته المتتالية، وفتوحاته في عالم الغناء.

وهو وفاءٌ للخطِّ الذي سار عليه الساهر خلال مسيره الغنائي؛ من حيث الاحتفاءُ بالشعر العربي، وبالكلمة المعبرة، وبالتخييل، وبمزجِ الموسيقى الشرقية الكلاسيكية بألوان الموسيقى الغربية.

ووفاءٌ أيضاً للجمهور العريض لكاظم، الذي شكّل وإياهُ ثنائيةً مُميزة قاومَت تيارات الغناء المنقاد لموجاته المتغيرة في كل حين.

وكأن كاظماً يقولُ لنا: وتلك القصائد أشدو بها… أما خلفَها جمهور يلهم؟ #div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} سطوةُ نزار وكريم يتقاسَم الشاعران نزار قباني وكريم العراقي نسبةَ الحُضور في هذه المجموعة الموسيقية بثلاث أغانٍ لكلٍّ منهُما، فيما يشكّلان معاً نصف المتن الشعري الغنائي.

وقد ظلّا كما يعلم الجميع الركيزتين الأساس اللتين تقوم عليهُما مُجمل إصدارات كاظم الساهر.

والقصائد المنتقاة ترقى، كما العادة، إلى تطلّعات الجمهور.

أغنية “بيانو” المقتطفة من قصيدة “عادات” لنزار تتنكر للبيانو، وتقيم حواراً مع الكمان، وتكشِف حالة الغربة التي يعيشها المبدع في الكلمة والكون، ويتجسّد، معها، عِشق الحبيبة في البيت والأم والوطن.

واللافت للانتباه هو استحواذ كاظم على جميع المقاطع الغنائية مع إلغاء تام للكورال.

أما أغنية “معك”، التي يمزج فيها نزار بين الشعر والنثر، فهي تبدٍّ صارخ لحالة الوضوح التي يأتي عليها الألبوم، بحيث لا يعرف حالة وسطية؛ وهي تطرف في الموسيقى، وتعصّب وتحَدٍّ في اختيار الكلمة، وموسيقى غير مهادنة تسْعى لأن تربحَ المعركة، فتصيرُ الأغنية ترفاً ثقافيّاً.

“مكابرة” أو”تراني أحبك” كما يحلو لكاظم تسميتها، تفيض إيقاعاً بانبنائها على تفعلية “فعولن” الموسيقية، فتشبِهُ إلى حدٍّ كبير الشعرَ العمودي من حيث المطلعُ المُصَرَّعُ، وتوزيعُ الكلمات على الأبيات الشعرية بطريقة تغلبُ عليها التوازيات التركيبية التامة والنسبية.

في الزاوية المُقابلة، تتقدّم أغاني كريم العراقي كمجموعة تصور حالة التشظي والمعاناة التي يعيشها العاشق، ورهانه على الاستمرار وصفحِ الحبيبة، حيث تفيض الأغاني اعتذاراً وتوسلاً وتودداً.

في “يا وفية”، تراوُحٌ بين إذعان المحب، وتنازلِه عن كبريائه، مقابل استكبار المحبوبة، وإن كانت الأغنية تبدو غير مُشبِعَةٍ لتطلع الجمهور، إذ ينتظر المزيدَ بعد المقطع- الذروة: “من قال لا يبكي الرجال؟”.

أمّا “لا تظلميه” فيمكن اعتبارها عمود الألبوم.

هي من القصائد الخالدة التي تنضاف إلى أغاني “قصة حبيبين”، و”مدينة الحب”.

حبيبان يوشكان على الفراق.

والحبيب يُذكّر حبيبته بالأماكن التي كانت شاهدةً على حبِّهما، ويستثمر كريم، في التعبير عن ذلك، الأصوات الجهرية الزاخرة التي تنبض حبّاً وفرحاً.

لكن هذه الفرحة سرعان ما تستحيل حزناً، وتعبيراً عن مأساة في جملة: “لا تسأليه لماذا؟ هكذا كتبت يد المقادير ومحت ما كتبناه”، ثم “وخانه الصبر” التي تنهي الأملَ، كلّ الأمل.

على أنّ أغنية “الليل” بإيقاعها الخفيف تتسَرّب سريعاً إلى الخاطر، بفضل التوزيع المختلف الذي أبدع فيه هشام نياز.

تقدِّمُ الأغنية موضوع الحبّ، والاعتذارِ في قالبٍ حواريّ في اتجاهين.

حوارٌ داخلي يلوم فيه الحبيبُ نفسَه، فيشبِّهُ تقلبَهُ بمزاجِ الطفلِ، ويدعوهُ إلى العودة.

وحوارٌ خارجيّ مع المحبوبة، وذلك عبر الهاتفِ، حيثُ يتلاعبُ الساهر بصوتهِ في تلك المقاطع الحوارية ليتلاءَم مع طبيعةِ الموقف الذي يستدعي التوَدّدَ.

آفاق جديدة ينفتحُ كاظم الساهر، في هذا الألبوم، على أسماء شعرية جديدة لها أن تفتحَ له آفاقاً جديدة لاختيار قصائد تؤثث ألبومات مقبلة.

ومن الأسماء: ياسر البيلي الذي قدم أغنية “تاريخ ميلادي”، التي تتماشى مع خط سير كاظم في اختيار قصائده.

حيث تأتي عبارات هذه الأغنية من الحديث اليومي الذي يتسرب سريعاً إلى القلب.

هذا عاشقٌ يُلغي ماضيه، ويوَدُّ أن يكون منطلقُ حياته هو نفسُه يوم لقاء محبوبته.

تشبيهٌ في “عيناك أغنيتي” وآخر يرى دجلة والفرات في جمال الوجه.

وتقدِّم دارين شبير لمسة أنثوية من خلال أغنيتين، تتأسس الأولى على شعرية المشهد، حيث يفقِدُ العاشق “رقصة العمر” التي كان يهفو لها، وتصبح الرقصة من نصيب آخرَ، إذ أبدعت المحبوبة في وشم الجراح والندوب على قلب الحبيب، والأماكن والزوايا التي كانت شاهدة على حبِّهما.

وأمّا الثانية “لا تسألي” فهي تقابلٌ بين حالتين؛ حالة عاشق مُتَشبث بمحبوبته رغم تجاهلها، ولا مبالاتها.

وحالة محبوب يستمرئ هذا العذاب، إلى درجة أن الجراحَ بدَورِها تذوب فيها حبّا.

أغنية “أعود” لشاعرها خليل عيلبوني، توبةُ عاشقٍ نادم على الفراق.

وهي عودة صادقةٌ، بالنظرِ إلى ما تحتاجُه من شروط للتوبة: سجادةٌ وصليبٌ.

وجملة “فهل تقبلين رجوع الخُطاة” استفهامٌ بمعنى الطلب والالتماس، أملاً في العفو.

على أن أغنية “مررت بصدري” لجمانة جمال تُصَوّرُ إحساس رجل مَرّتْ بخاطره ذكرى حبيبته التي هَجَرَته، فأوقدت في قلبه نار الشوق، لكنّ هذا التودُّد يقابَل بالجحود، إلى درجة أنه لا يستطيع أن يستُر حزنَه.

وتنتهي القصيدة بعبارة “يا للغرور الذي بالنساء”، التي تلخص القصة بينهما.

توكيد الذات يكتبُ كاظم الساهر كلماتِ أغنية “يا قلب” التي تنبض عباراتها بالعجز والغرق في بحر الحب.

قصيدةٌ تكشف تقلباتِ العاشق، وتنقُّلاتِه بين قصص الهوى، بحيثُ لا يستطيع العيش بدون حبّ.

والأغنية ترسيخ لقيمِ الوفاء والإخلاص والمحبّة، غير بعيد عن وظيفة الفنّ.

وممّا أضفى الجمالية على الأغنية قِصَرُ أشطرها، ورويّها القافي الذي يستجيب لنبرة الانكسار الذي تعكسُه الكلمات، فضلاً عن ذلك التجاذُب الذي يُحدثُه التجاوب بين صوت كاظم وصوت الكورال.

ويمكن القول إنّ كاظما الكاتب قد نافس الملحن، والمغني، فتجسدت القصيدة لوحة فنية من منا لا تُعْجِبُه؟! لا ترحلوا… أغنية “لا ترحلوا” لكاتبها داود الغنام، وبتمَوْقُعها في خاتمة أغاني الألبوم، هي رسالةٌ من كاظم إلى جمهوره، فلأنه يُحِبُّهُم يُغني! ولأنهم يُبًادلونَه الشعورَ نفسَه، لم يَخُنْهم الصبرُ.

مِنهُم يستمِدّ وحيَ الإلهام، ومنْ رغباتِهم ينتقي كلماتِ أغانيه، ويصوغُ ألحانَه.

ويكتُب الجميعُ تاريخ ميلادٍ جديد يكونُ ببدءِ سماع نغماتِ هذا الألبوم، الذي يُشَكّلُ انعطافةً في المَسيرِ الغنائيِّ لكاظم.

وستظلُّ هذه المجموعة الغنائية راسخةً في أذهان المحِبّين كلّما مرّتْ ألحانُه بِصُدورهم.

فتكونُ بمثابةِ رقصةِ العُمْرِ.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 5 قراءة)
.