هل تؤشر احتفالات فاتح ماي "الباهتة" على نفور الطبقة العاملة من النقابات؟

يستمر الحضور العمالي في احتفالات فاتح ماي في تراجعه المتواصل بالمغرب، في ظاهرة أصبحت تشتد مع مرور السنوات.

ولعل حناجر النقابيين، بقبعاتهم الواقية من الشمس وألوان ستراتهم المختلفة، هي الوحيدة التي مازالت تسمع في الشوارع المغربية خلال هذه المناسبة العالمية.

تجسّد هذا الحضور الباهت من جديد خلال تظاهرات أمس الأربعاء بمختلف المدن المغربية، التي طبعها انقسام في المطالب؛ فبين الترحيب بالزيادة الجديدة في الأجور، والرفض لها، لا تبدو الشغيلة المغربية متحمسة للخروج إلى الشارع ورفع صوتها إلى جانب التنظيمات النقابية.

وبين من يفسر هاته الظاهرة بتراجع منسوب الثقة بين الطبقة العمالية والنقابات، ومن يعزوها إلى غياب الحس النضالي العمالي في السنوات الأخير، يقول مراقبون إن “المشكل مركب، ويعود إلى نفور مجتمعي من الشأن السياسي بسبب تراجع تأثير الأحزاب في المواطن”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ويرى رشيد لزرق، محلل سياسي، أن “احتفالات فاتح ماي بالمغرب تحولت إلى فلكلور استعراضي، ولم يعد لها الهدف الرمزي كما كان ذلك في زمن آخر”.

وقال لزرق: “هنالك تراجع في منسوب الثقة بين النقابات والطبقة العمالية، للعديد من الأسباب، لعل أهمها على سبيل الذكر وليس الحصر، الريع النقابي، وغياب أسماء جديدة”.

وبيّن المحلل السياسي عينه أن “مشكل النقابات يعادل خلل الأحزاب المغربية، وهو ما دفع الطبقة العمالية إلى نهج طرق جديدة لتحقيق مكاسبها، ويتجسد ذلك حاليا من تفريخ في التنسيقيات في جميع القطاعات”.

وطالبت نقابة حزب العدالة والتنمية، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، خلال احتفالات أمس، بـ “عدالة اجتماعية، ووقف الحرب في غزة، والتنديد بالعمليات الإسرائيلية”، مؤكدة رفضها “الاتفاق الاجتماعي لـ 29 أبريل”.

من جهتها، نادت المنظمة الديمقراطية للشغل بـ “ميثاق اجتماعي جديد”، يقوم بحماية الحقوق والحريات الأساسية، ويوفر “كافة الظروف المواتية للشغيلة المغربية”.

المنظمة ذاتها أقرّ رئيسها علي لطفي بـ “حقيقة وجود تراجع مستمر في حضور الطبقة العمالية في احتفالات فاتح ماي”، قائلا: “هاته الظاهرة أصبحت حقيقة، وأسبابها مركبة”.

وأضاف لطفي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “أشكال الاحتفالات لم تعد كما كانت في فترات السبعينات والثمانينات والتسعينات، وهي ظاهرة صحيحة، والتراجع موجود ومستمر”، لافتا إلى أن “الأمر يتزامن مع تراجع أدوار الأحزاب السياسية بالمغرب”.

وشدد النقابي ذاته على أن “المغرب على وقع تراجع في المشهد الحزبي، والنقابي، وحتى المجتمع المدني”، موضحا أن “النقابات لها أزمة في الثقة مع الطبقة الشغيلة، والأسباب واضحة، لعل أهمها التفريخ النقابي الذي أصبحنا نعيشه حاليا”.

كما يعود ذلك، يواصل لطفي، إلى “ضعف التأطير داخل الجامعة المغربية، وعزلة المثقف المغربي عن الواقع”، قائلا: “كانت الجامعة المغربية تؤطر الطالب قبل دخوله إلى الأحزاب السياسية ومختلف الحركات الأخرى والجمعيات”.

ويتفق المحلل السياسي رشيد لزرق مع علي لطفي على “وجود عوامل مركبة تضعف الحضور العمالي بشكل مستمر في الشوارع المغربية”، ويرتبط ذلك بما هو حزبي وعمالي، وأنتج واقعا “نقابيا بيروقراطيا”.

وأبرز لزرق أن “احتفالات فاتح ماي بالمغرب كانت في عقود سابقة فرصة لحوار مباشر بين الشغيلة والحكومة، واليوم أصبحت فقط مظاهر احتفالية لا غير، ولا تستطيع النقابات من جديد إخراج الطبقة العمالية إلى جانبها في الشوارع المغربية”.

وخلال الخطابات الخاصة بالمركزيات النقابية الموقعة على اتفاق 29 أبريل الماضي، تمت الإشادة بـ “مكاسب تم انتزاعها من الحكومة”.

ويعود تراجع الثقة بين النقابات والطبقة الشغيلة بحسب علي لطفي، إلى “زمن طويل كانت النقابات فيه قد ارتكبت أخطاء قاسية يصعب على الشغيلة أن تنساها وأن تعود هي الأخرى لتصرخ في الشارع في فاتح ماي”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.