أزمة المهاجرين في تونس.. كرة النار المتبادلة بين ضفتي المتوسط

على وقع انتقادات حقوقية واسعة، بدا للسلطات التونسية أنها تخلصت من "صداع مزمن" بعد تفكيكها "مخيمات" غير رسمية للمهاجرين الأفارقة غير النظاميين أقاموها على تخوم مدينة الواقعة جنوب شرقي البلاد.

وظهرت هذه المخيمات العشوائية منذ نحو سنة، بعد طرد المئات من هؤلاء المهاجرين من داخل مدينة صفاقس، فلجؤوا إلى أطراف مدينتي العامرة وجبنيانة وقرى أخرى تابعة للمحافظة، وأقاموا في حقول الزياتين الممتدة، بانتظار لحظة العبور إلى إيطاليا، وبات عددهم يتزايد باستمرار مع توافد غيرهم من مدن أخرى أو من خارج الحدود.

لم يكن المجتمع التونسي ولا السلطات التونسية مهيأين لتواجد كثيف للمهاجرين غير النظاميين في البلاد.

وبعوامل الشحن السياسي والاقتصادي، حصلت تباعا احتكاكات ومناوشات، جعلت وجودهم أزمة لكل الأطراف.

وكانت المقاربة الأمنية والانفعالية للسلطات التونسية هي الغالبة في غياب نهج واضح للتعامل مع قضية الهجرة والتدفق غير المسبوق للمهاجرين، مثلما لاحظت المنظمات الحقوقية.

وجاءت عملية إزالة تلك المخيمات من قبل قوات الأمن، في الأسبوع الأخير من شهر أبريل/نيسان بُعيد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية إلى تونس، وهي الزيارة الرابعة لها في أقل من عام.

واعتبرت منظمات حقوقية أن عملية التفكيك المتزامنة مع الزيارة وما رافقها من تجاوزات، تأتي في صلب الاتفاقيات الموقعة بين تونس و، الذي بات يغض الطرف عن سوء تعامل السلطات التونسية مع المهاجرين، وفق ما ذكرته منظمات تتابع أوضاع المهاجرين غير النظاميين.

وتحت وطأة تدفق قوارب الهجرة غير النظامية، وقع مع تونس في 16 يوليو/تموز 2023 مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة إستراتيجية وشاملة".

وينص الاتفاق ضمن بنود أخرى على منح الاتحاد مساعدة مالية لتونس بقيمة 105 ملايين يورو(نحو 113 مليون دولار) لمكافحة الهجرة غير النظامية، وأخرى بقيمة 150 مليون يورو (نحو 161 مليون دولار) لمساعدة البلاد اقتصاديا، ومساعدة مالية كلية بقيمة 900 مليون يورو(نحو 970 مليون دولار)، "يمكن تقديمها في شكل قرض خلال السنوات المقبلة".

كما تم توقيع اتفاقيتين متوازيتين، إحداهما مع المنظمة الدولية للهجرة بقيمة 13 مليون يورو(حوالي 14 مليون دولار)، والأخرى مع بقيمة 8 ملايين يورو (8.

6 ملايين دولار) بهدف ضمان حماية المهاجرين في تونس، وزيادة وتيرة "العودة الطوعية" للمهاجرين إلى بلدانهم.

الرئيس قيس سعيد (وسط) مع وفد الاتحاد الأوروبي بعد توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية في 16 يوليو/تموز 2023 (رويترز) ولا تتجاوز المسافة بين صفاقس و الإيطالية 190 كيلومترا -وهي أقل من ذلك انطلاقا من مدينة الشابة أو المهدية أو المدن الأخرى في ذلك الخط الساحلي-، في حين قد تستمر الرحلة في الظروف العادية ومن نقاط معينة نحو 10 ساعات إلى 18 ساعة، مما جعل هذا الشريط ومدنه وقراه نقطة جذب قوية للمهاجرين غير النظاميين (انظر إلى الخرائط المرفقة).

ويرى محللون أن ذلك القرب الجغرافي منح تونس و ورقة جيوسياسية قوية لممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي في مسائل اقتصادية وسياسية، خاصة في ظل تحفظات أوروبية على المسار الديمقراطي ووضع الحريات في البلاد، فيما تنفي تونس استثمار ورقة الهجرة، وتقول إن موجات تدفق المهاجرين قضية عالمية، وقد باتت عبئا فوق طاقتها، وإنها تمارس حقها ودورها في حماية حدودها وأمنها.

ولم تكن العلاقات بين الرئيس سعيد والاتحاد الأوروبي سالكة دائما، فقد أرجع الرئيس التونسي مبلغ 60 مليون يورو للاتحاد، رافضا ما سماه "الصدقة الأوروبية" وتوترت العلاقات بين الجانبين في أغسطس/آب 2023، قبل أن تتحسن لاحقا، حيث صرف الاتحاد الأوروبي في مارس/ آذار 2024 مبلغ 150 مليون يورو (162.

8 مليون دولار) لتونس لدعم الميزانية.

أوائل شهر سبتمبر/أيلول 2023، تدفق أكثر من 7 آلاف مهاجر نظامي ونحو 100 مركب من السواحل التونسية إلى جزيرة لامبيدوزا في ظرف يومين، وهو ما فسره محللون على أنه يأتي في إطار لعبة شد الحبل بين الطرفين.

واعتبر نائب رئيسة حكومة إيطاليا وزعيم اليميني المتطرف، أن ذلك "يعد عملا من أعمال الحرب"، دون أن يسمى تونس، بينما هرعت رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني إلى الجزيرة التي عاشت حالة طوارئ، ومعها رئيسة المفوضية الأوروبية.

بدا واضحا لأوروبا وخصوصا إيطاليا بعد وصول نحو 25 ألف مهاجر غير نظامي بين يوليو/تموز وأغسطس/آب وحوالي 17 ألفا خلال شهر سبتمبر/أيلول 2023 أن بلدان جنوب المتوسط وخصوصا تونس تملك القفل والمفتاح في قضية الهجرة.

في إطار سوسيولوجيا الهجرة ومتغيراتها، باتت مدينة صفاقس في علاقتها بجزيرة لامبيدوزا مركزا في مسار الهجرة المتوسطي والمحور الأساسي لقضية الهجرة في تونس.

وتجاوزت مدنا أخرى على الخط الساحلي، مثل جرجيس والمهدية ومدن الوطن القبلي (محافظة نابل)، بفعل القرب الجغرافي من الجزيرة الإيطالية، وكذلك مدن زوارة والزاوية وطرابلس وصبراتة وصرمان والعجيلات (غرب ليبيا) وبنغازي وطبرق (شرق ليبيا).

كما أسهم قرب المحافظة من المعابر على الحدود الجزائرية (عبر ولايتي القصرين وقفصة) والليبية (عبر محافظتي مدنين وتطاوين)، وكذلك توفر فرص العمل الظرفية للمهاجرين (قبل التوترات والتضييقات على تشغيلهم تحت طائلة المساءلة القانونية)، بحكم أنها مدينة كبيرة وتعد العاصمة الاقتصادية للبلاد في جعلها المقصد الأبرز.

وهكذا أدى العدد المتزايد من المهاجرين القادمين إلى تونس بشكل عام ومدينة صفاقس خصوصا إلى إنشاء نظام اقتصادي متشابك للهجرة غير النظامية نحو إيطاليا، تطور بتطور أعداد الوافدين وزيادة الطلب.

تكونت تبعا لذلك شبكات تهريب وسمسرة محلية وعابرة للحدود، اكتسبت مرونة وقدرة على التكيف مع المتغيرات الأمنية والسياسية، يديرها تونسيون، وكذلك مهاجرون وجدوا طريقهم إلى الاستقرار في تونس، فبنوا شبكات تهريب أو وساطة (تنسيق) تستهدف مواطني دولهم بدرجة أولى، وتعمل هذه الشبكات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، ويرتبط بعضها بشبكات تهريب البشر الدولية.

مسارات الهجرة غير النظامية إلى تونس ثم إيطاليا (الجزيرة) ومع التدفقات وزيادة الطلب على الهجرة غير النظامية، أدت الأزمات الاقتصادية في تونس أيضا إلى توجه الكثيرين بالمدن الساحلية -وخصوصا صفاقس وجزيرة قرقنة التابعة لها- إلى أنشطة مرتبطة بالهجرة غير النظامية (التهريب والسمسرة، وصنع مراكب العبور والمحركات وتوفير الوقود وقطع الغيار والإخفاء) وغيرها من لوجيستيات التهريب.

في المحصلة، باتت محافظة صفاقس عنوانا ثابتا في أجندات المهاجرين يقصدونها من غامبيا والنيجر وساحل العاج وتشاد وغينيا ومالي وبوركينا فاسو وبنين والسودان وجنسيات عربية وأفريقية أخرى، وآسيوية أيضا.

وفي وقت كانت فيه الهجرة غير النظامية مقتصرة على التونسيين، بدأ تدفق المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 2015، حين ألغت تونس وبلدان أفريقية برامج التأشيرات المتبادلة، لكن الأعداد الأكبر بدأت تفد عبر الطرق البرية مع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والمناخية في هذه البلدان الأفريقية وتصاعد الأزمة في ليبيا منذ عام 2017.

تشير تقديرات منظمة الهجرة الدولية ومراكز بحث تونسية إلى أن الحزام الساحلي بين محافظتي صفاقس والمهدية، (التي تبعد عن جزيرة لامبيدوزا بين 188 و133 كيلومترا) تنطلق منه نحو 75% من القوارب المغادرة إلى إيطاليا، خصوصا من مدن وبلدات العامرة وجبينانة واللوزة وعقارب والحمايزية وقبل ذلك قرقنة (محافظة صفاقس)، والشابة وقرى صغيرة أخرى بمحافظة المهدية وبدرجة أقل جرجيس وبنقردان (محافظة مدنين) ومدن وقرى بمحافظة نابل وبنزرت.

وحسب أرقام وبيانات منظمة الهجرة الدولية، ووكالة حرس الحدود والسواحل الأوروبية (فرونتيكس) فقد تجاوزت تونس منذ سنة 2020 ليبيا المجاورة لها كمنطلق للهجرة غير النظامية نحو إيطاليا.

وفي عام 2023 وصل 61% من الوافدين إلى إيطاليا من تونس مقابل 33% فقط من ليبيا.

نقاط الانطلاق الرئيسية لقوارب الهجرة من سواحل تونس إلى السواحل الإيطالية (الجزيرة) تشير الإحصاءات أيضا إلى أنه حتى عام 2022، كان التونسيون يمثلون غالبا أكثر من 50% من نسبة الواصلين إلى إيطاليا عبر القوارب، لكن في سنة 2023، باتت النسبة 18% فقط من جملة 97 ألفا وصلوا إلى إيطاليا انطلاقا من تونس.

ومثلت نسبة الأفارقة من جنوب الصحراء نحو 80%، فيما اعترض خفر السواحل التونسي نحو 70 ألف مهاجر عام 2023، معظمهم من الأفارقة، وغالبيتهم انطلقوا من سواحل محافظة صفاقس.

ورغم محاولات التضييق في تونس لتقليل عدد المهاجرين الوافدين، والمخاطر الكثيرة التي تهددهم في مسارات الهجرة الطويلة من جنوب الصحراء، أو الاستغلال والعنف والابتزاز، من قبل عصابات التهريب والمهربين والسماسرة، فإن موجاتهم لا تنقطع عن الوصول إلى بلدان العبور.

كما أن حوادث الغرق الكثيرة في البحر المتوسط، التي بلغت 2500 حادث سنة 2023، لم تثنهم عن المقامرة المحفوفة بحسابات المهالك والأمل.

أدت الأوضاع غير المستقرة في منطقة الساحل والصحراء وبلدان الداخل الأفريقي، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والظروف المناخية الصعبة إلى هجرة مئات الآلاف نحو ليبيا في مرحلة أولى، ولكن مع بدء انخرام الوضع الأمني فيها منذ عام 2017 وتشكل مليشيات منفلتة، مارست الاختطاف والحجز والعنف الممنهج ضد المهاجرين، تحولت الوجهة إلى تونس عبر الحدود الليبية والجزائرية.

بشكل عام، كان وضع المهاجرين مقبولا في تونس -بحكم طبيعة المجتمع التونسي المنفتحة على الآخر-.

وأتيح للكثيرين منهم فرص العمل والاستقرار الظرفي ولو بشكل غير قانوني مع ظروف استغلال أقل وطأة، لكن مزاج التونسيين تجاههم تغير مع تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة موجات القادمين، وخصوصا بعد خطاب الرئيس قيس سعيد عما سماه "تغيير الهوية".

رأى الحقوقيون في هذا الخطاب مبالغة، وتماثلا مع خطاب اليمين المتطرف في أوروبا، ونجم عنه نشوء خطاب كراهية مبالغ فيه أنتج بالضرورة ممارسات عنيفة ضد المهاجرين، خصوصا في التجمعات الكثيفة مثل مدينة صفاقس وضواحيها، حيث كان يشتكي السكان المحليون أيضا من تدفقات المهاجرين ووجودهم غير المنظم وتجاوزاتهم أحيانا.

ففي مايو/أيار 2023، قتل مهاجر من في احتكاكات مع السكان المحليين.

وفي يوليو/تموز من نفس العام، قتل مواطن تونسي على يد أحد المهاجرين من جنوب الصحراء على إثر احتكاكات مماثلة.

بشكل عام بات وضع المهاجرين غير مريح، وكذلك وضع السكان المحليين الذي كانوا يتعايشون بشكل ما مع وجود المهاجرين، فباتوا يتظاهرون ضدهم.

تشير منظمات حقوقية إلى أن السلطات التونسية عمدت إلى إخراج المهاجرين من مدينة صفاقس ومدن أخرى بالقوة، مما دفعهم إلى إنشاء تجمعات في البلدات المجاورة لمركز المحافظة (مدن الأطراف وريفها).

وتشير أيضا إلى أنه تم احتجاز وطرد المئات وترحيلهم إلى الحدود الليبية والجزائرية، وهو ما تحدثت عنه أيضا السلطات الليبية، وتقارير حقوقية.

وتقول السلطات التونسية إنها تدفع ثمن أحكام الجغرافيا نتيجة قربها من إيطاليا، وضريبة مشاكل الدول الأفريقية وأزمات العالم، وجشع المهربين المرتبطين بعصابات الجريمة المنظمة، في وقت لا يسمح وضعها الاقتصادي والاجتماعي والأمني لها بقبول هذه التدفقات الكبيرة.

كما تؤكد السلطات التونسية أيضا أن تعاملها مع المهاجرين ليس بالصورة التي تقدمها المنظمات الحقوقية، وأنه لا يختلف كثيرا عما تقوم به دول أوروبية وهي التي تصدهم بدورها، في حين تتساهل البلدان المجاورة في عبورهم ودخولهم الحدود التونسية.

لكن أوضاع المهاجرين الأفارقة الذين لم تتح لهم فرصة العبور إلى إيطاليا بات صعبا، كما وجدت السلطات التونسية نفسها أمام تحديات أمنية واقتصادية وانتقادات مستمرة من المنظمات الحقوقية وضغوط من الاتحاد الأوروبي.

الحرس الوطني التونسي يعترض مركبا للمهاجرين غير النظاميين انطلق من سواحل صفاقس إلى إيطاليا (رويترز) معادلات الاقتصاد والأمن لا تتوفر إحصاءات دقيقة لأعداد المهاجرين غير النظاميين في تونس، لكن بعض التقديرات تشير إلى وجود ما بين 80 ألفا و100 ألف مهاجر، قد يكون بينهم نحو 25 ألف مهاجر غير نظامي- وفق بعض التقديرات-، وهو عدد قليل مقارنة بليبيا مثلا، حيث يوجد نحو 700 ألف مهاجر غير نظامي، حسب أرقام منظمة الهجرة الدولية الصادرة في مايو/أيار 2023.

وتشير مراكز أبحاث ومحللون إلى أن تونس جراء وطأة الأزمة وغياب الأطر القانونية تقارب مسألة الهجرة غير النظامية وفق ردود أفعال انفعالية وإجراءات تكتيكية، تعتمد بالأساس المقاربة الأمنية التي تشوبها أحيانا عمليات عنف وطرد جماعي، كما يصفها مهاجرون، ووثقتها منظمات حقوقية.

ورغم محاولتها التنسيق مع دول أفريقية مثل غينيا وساحل العاج ومالي لتفعيل العودة الطوعية لمواطنيها مقابل التنازل عن العقوبات المفروضة على المهاجرين غير المصرح لهم الذين يختارون العودة إلى وطنهم، فإن عددا قليلا اختار العودة، باعتبار أن كثيرا منهم أصبحوا يرون أنفسهم قاب قوسين أو أدنى من حلمهم الأوروبي.

وفشلت أيضا محاولة السلطة في تفكيك شبكات التهريب أو السيطرة على ما يعرف باقتصاد الهجرة، الذي أصبح مزدهرا ويدر أرباحا كبيرة على المنخرطين فيه بمختلف مستوياتهم، فإضافة إلى الحالات الفردية، بات تهريب المهاجرين برا وتمكينهم من العبور إلى إيطاليا عبر تونس أشبه بالمنظومة المعقدة الشديدة المرونة والاستجابة لمتطلبات الوضع والتكيف مع التكتيكات الأمنية أو القانونية.

ووفق بعض الدراسات، فإنه رغم محاولات تونس (وقبلها ليبيا ودول أخرى) لفرض التضييقات على المهاجرين ومعالجة الظاهرة أمنيا، فإن موجات التدفق لم تشهد تراجعا كبيرا، في حين أدت إلى زيادة كبيرة في الرسوم التي يطلبها المهربون والسماسرة، كما ارتفعت نسبة الغرقى جراء محاولات العبور العشوائية في مراكب متداعية، ونشطت صناعة المراكب الحديدية التي لا تصلح للعبور.

يشير محللون إلى أن الظاهرة المتفاقمة وحركة التدفق غير المسبوقة، لا يمكن حلها فقط وفق المقاربة الأمنية التي لا تخلو من تجاوزات وانتهاكات، ويستعصي حلها جذريا على قوات حرس الحدود أو السواحل، مما يدعو إلى اعتماد مقاربة مختلفة وإستراتيجية تراوح بين القانوني والإنساني والأمني المعدل، ويتجاوز تونس إلى المستوى الإقليمي والأوروبي.

ولكن المقاربات الأوروبية بدورها في- ظل القوانين الجديدة التي صادق عليها البرلمان الأوروبي- ترتكز أيضا على بناء جدران صد على الضفة الجنوبية للمتوسط، ووقف الموجات الآتية من بلدان العبور مثل تونس أو ليبيا أو مصر، بقطع النظر عن وضع المهاجرين هناك، أو التحديات التي تواجه تلك الدول اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.

وتعول الدول الأوروبية على الضغوط المالية والاقتصادية التي تواجهها دول جنوب المتوسط لإغرائها بحراسة البوابة الأوروبية متخلية عن تحفظاتها السياسية تجاه نظمها، حيث وقعت أيضا "صفقات" أو اتفاقات مع ليبيا (2 فبراير/شباط 2017) وموريتانيا (مارس/آذار2024) ومصر (17 مارس/آذار2024)، كانت محل انتقادات من منظمات حقوقية وسياسية أوروبية.

وكان لافتا أن إيطاليا -بلد وصول المهاجرين الرئيسي في أوروبا- وبعد موجات من الهجرة إليها انطلاقا من ليبيا بين عامي 2014 و2016، وافقت بشكل ما على تمويل مراكز الاحتجاز التي تديرها ميليشيات داخل ليبيا، حيث تم بالفعل احتجاز آلاف المهاجرين الأفارقة الذين كانوا يحاولون العبور إلى أوروبا.

ووقع الاتحاد الأوروبي أيضا مثل هذه الاتفاقات مع دول أخرى، مثل المغرب ومقدونيا الشمالية وصربيا وخصوصا تركيا عام 2016، وكذلك نيجيريا وإثيوبيا والسنغال، لكن هذه الاتفاقات لم تؤد إلى نتيجة فعالة خصوصا بالنسبة لإيطاليا.

بدا أن الدول الأوروبية ذاتها فرادى ومؤسسات باتت تنجذب أكثر نحو الحلول الأمنية لمشكلة الهجرة لديها، وغلبت الجانب السياسي والأمني على المعايير الإنسانية عبر اعتماد مقاربة الصد والتضييق والطرد، ثم تشديد إجراءات اللجوء والهجرة والبحث عن طرف ثالث لاستقبالهم.

ويرى محللون أن الهجرة غير النظامية قضية عالمية يصعب حلها أمنيا وبشكل جزئي، فهي مرتبطة بقضايا المناخ والاقتصاد والتنمية والهويات في وحقوق الإنسان في بعدها العالمي، وهو ما يحتم وجود مقاربة دولية شاملة لها.

وفي غياب الحل الشامل، يعمل الاتحاد الأوروبي على أن يبقي كرة النار التي تمثلها تدفقات المهاجرين في الضفة الجنوبية للمتوسط بعيدة عن حدوده، وأن تحل قضيتهم هناك بالتوطين أو الصد، لكن الحراس الذين يريد صناعتهم في هذه الضفة يصعب عليهم الاحتفاظ طويلا بتلك الكرة التي تزداد اشتعالا.

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 2 أسابيع | 4 قراءة)
.