«السّرب» ملحمة سينمائية جديدة لـ صقور الوطن

«السّرب» ملحمة سينمائية جديدة لـ صقور الوطن

كان الزمان فجر الإثنين 16 فبراير 2015، حينما استيقظ العالم على هزيم الرعد المصري يزلزل كيانًا أسود يقوده تنظيم "داعش" الإرهابي، في معاقله على أرض ليبيا، لم تكن مجرد عملية "حربية خاطفة" نفَّذتها قواتنا المسلحة الباسلة بفريق "طيران" محترف فقط، وإنما كانت كلمة عليا أرادت بها مصر أن تفرض سيادتها وتصفع وجوه السفاحين، في أسرع "عملية ثأر" شهدها التاريخ، بعد سويعات قلائل من إعلان "داعش" ارتكاب جريمته الشنعاء بذبح "21" قبطيًّا مصريًّا، قبالة سواحل "درنة" بليبيا، وتصوير فاحشته بدم بارد في مقطع فيديو أغرق شاشات العالم.

وكما فوجئ العالم بالجريمة التي لا يمكن أن تُغتفر، فوجئ أيضًا، بالرد الأسرع من كل التوقعات، وتدمير القتلة في عقر دارهم، بالقرب من مسرح الجريمة ليكون اختيار الزمان والمكان، بمثابة درس للتاريخ، بأن الدم المصري أغلى مما يظن أعداء الإنسانية، ولم تكنِ الغرفة المظلمة التي تتصدرها شاشة مضيئة، مجرد قاعة سينما تعرض فيلم "السرب"، وإنما كانت "آلة زمن" دخلتها "الأسبوع" لرصد "أحداث درامية" لشخصيات من لحم ودم، تابعها جمهور جالس في قاعة السينما، حبس أنفاسه طيلة "90" دقيقة، لمعتِ الدموع في عيونه وسط الظلام، واقشعرت أبدانه من فرط الحماسة والتفاعل مع الفيلم الذي قررتِ، الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، "إهداءه" للجمهور، لتوثيق أول "ضربة جوية" يشهدها الجيل الحالي، بل الأجيال الأخيرة، بعد قرابة نصف قرن من الضربة الجوية الأكتوبرية التي مهدت للعبور العظيم في 73.

قبيل الخوض في تفاصيل "الفيلم"، الذي يُعتبر صفحة طازجة في مجلد "قانون الدراما الجديد"، من المهم الإشارة إلى الجهد الذي بذلته «المتحدة»، بـ"توثيق اللحظات الفارقة في عمر الوطن"، حتى لا يطويها النسيان، ويظل التاريخ شاهدًا عليها، مهما مر الزمان، على أن يتم التوثيق الدرامي وقت حدوث الفعل، ومحاكاة الواقع "الحالي" ليرى المشاهدون بأعينهم ما يجري خلف الكواليس، والثمن الباهظ الذي كان يدفعه أبطالنا من دمائهم وأرواحهم، مقابل "سحق" العدو المتربص بالوطن، لتكريس المبدأ الأهم، وهو تشكيل الوعي بقيمة وطن يقاتل في صمت، وبث روح الفخر، وتعظيم البطولات الحقيقية التي لم تكنِ الأجيال الجديدة تعرف عنها سوى بضعة أسطر منسية في كتب يعلوها التراب في المكتبات العتيقة.

فيلم السرببعد ملحمة "الاختيار"، جاء فيلم "السرب" لاستكمال القاعدة الدرامية الجديدة التي تكشف للجمهور "أبعادًا درامية واقعية" لم تدركها الأبصار، بين زوايا متكاملة الرؤية لكاميرا واعية، عبر شريط سينمائي يجسده فنانون مدركون لقيمة "القوى الناعمة" فتقمصوا أدوارهم حتى النخاع، بتأدية لقطات تمثيلية معبرة عن "واقع معاش بالفعل"، فأصبحتِ الصورة السينمائية تجسيدًا حقيقيًّا لشخصيات من لحم ودم، تبارت جميعها لتشكيل "الصورة الكاملة"، وبدايةً من شعار "الوعي والإيمان" الذي أعلنته إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، في أول لقطة من فيلم "السرب"، وضحتِ الرسالة.

على الحدود الغربية المصرية، تظهر طائرتان حربيتان يقودهما ثلاثة من خيرة أبطال الطيران الحربي المصري، جسّد أدوارهم أحمد صلاح حسني، ومحمد فراج، وأحمد فهمي، ينفذون مهمة عسكرية، يستشهدون فيها، بعد مطاردات مع إرهابيين خونة، وتأتي أول جملة لقائد القوات الجوية، في غرفة العمليات بالقاهرة، الفنان شريف منير: "إحنا عمرنا ما بنسيب رجالتنا"، وبالفعل، تتوجه قوات الإنقاذ لطائراتنا المقاتلة، ولكن سهم الله ينفذ ويقدم رجالنا أرواحهم فداء الوطن، وتظهر على الشاشة صور الشهداء الحقيقيين، ويبدأ تتر فيلم "السرب" للمخرج أحمد نادر جلال.

استغرقتِ العملية السابقة "12" دقيقة من عمر الفيلم، الذي لم يبدأ قصته الأصلية بعد، ولكن مشاهد الجرافيك، والمؤثرات البصرية والصوتية، أعلنت عن نفسها قبيل التتر، ثم يظهر التصوير "المبهر" من طائرة، لتبدأ أولى مشاهد بطل "السرب"، النجم أحمد السقا، يبدو جالسًا في "استرخاء" على متن باخرة ضخمة، في عرض البحر، يبرم اتفاقًا لـ "تهريب أشخاص عبر الحدود"، وفجأة تتقافز مشاهد سوداء، في الصحراء، وجوه عابسة تستوقف "7" رجال "أقباط" يتم اقتيادهم لمعسكر تنظيم "داعش" الإرهابي، بمدينة "درنة" في ليبيا، فيظهر أميرهم أبو أسعد الحمراوي الفنان "محمد ممدوح"، ومساعده "العقرب" جناحه العسكري الذي أداه الفنان "دياب" بأعين أشبه بالزجاج من فرط تقمّص دور السفاح، وشقيقته "هند" زوجة الأمير، والتي جسدتها الفنانة نيللي كريم، وهي تدرك جيدًا حجم التلاعب باسم الدين، ولكنها تحب زوجها الأمير، ولا مانع من تدخينها لفافات التبغ المحشوة بالمخدرات، لتصبر على واقعها الأليم، بينما تقنع سبايا التنظيم، للرضوخ لرغبات "المجاهدين"!!وتظهر جماعة "قبطية" من العمال يعيشون مع "عم محمد"، الفنان عمرو عبد الجليل، الذي أضفى روحًا مرحة بخفة ظله، ويستكمل "السقا" دوره كمهرب مواد غذائية للقبائل التي يتزعمها الفنان محمود البزاوي (ضيف الشرف)، وفي المقابل نرى الصحفية الليبية الباحثة عن الحقيقة، والتي جسدتها الأردنية صبا مبارك المتقنة للهجة الليبية، ما أضفى مصداقية جديدة للأحداث، والتي تربطها علاقة صداقة مع "السقا"، ووسط نقلات نوعية بين قيادة المخابرات المصرية والتي جسد الفنان مصطفى فهمي دور "رئيسها" بثبات النجوم الكبار، لبحث سبل إطلاق سراح الرهائن الأقباط مع مساعده الفنان (أمير صلاح الدين)، ويظهر "أول اسم" للفنان أحمد السقا خلال الفيلم، وهو "علي المصري" صاحب شركة الخدمات البترولية، الذي يمارس كافة أشكال التهريب، حتى يلتقي بقائد "داعش" للاتفاق على تهريب "البترول المنهوب" خارج حدود ليبيا، ويحدث لقاء درامي مهم بين الصحفية المناضلة وقائد "داعش" الذي كان يحبها منذ ربع قرن، والذي يصفعها بقوله: "أنا أحيى وأميت"!!فيلم السربويبرع المخرج في سرد مشاهد متوازية بين اختطاف الأقباط في ليبيا، وجلوس والدة أحدهم في منزلها بالمنيا، صعيد مصر، (الفنانة عارفة عبد الرسول)، تقرأ خطاب ولدها "المغترب"، يطمئنها عليه ويبشرها بـ"عودة قريبة"، وتستعد القيادة السياسية المصرية برفع حالة الطوارئ للبحث عن الرهائن الـ "٢١"، وهنا يفاجأ المشاهدون بالدور الحقيقي الذي يلعبه "السقا"، فهو المقدم "يحيى المصري" ضابط المخابرات المصري الذي يعيش في ليبيا ويقوم بعمليات "سرية" لصالح وطنه، تأتيه إشارة البدء باقتحام معسكر "داعش" لتحرير الرهائن، ولكنه يصل وحده بعد "ترحيلهم"، لبدء تنفيذ المذبحة البشعة التي جرى تصويرها وبثها للعالم.

في هذه النقطة الدرامية الملتهبة، تأتي أوامر الرئيس عبد الفتاح السيسي، لقادة العمليات الحربية ببدء تنفيذ هجوم بالطيران وقصف معاقل الإرهابيين في "درنة"، وتدوّي عبارة قائد الطيران: "العالم كله لازم يعرف إن البلد دي لها أصحاب"، ويتم استدعاء كبار الطيارين (كريم فهمي وآسر ياسين)، مع إصرار الطيار الشاب على نيل شرف المشاركة (أحمد حاتم)، ويباركه قائده (محمود عبد المغني)، وتدوّي من جديد عبارة: "ثقة في الله هتجيبوا حق اخواتكم وترجعوا أبطال وتعرّفوا العالم إن المصريين ولادهم ودمهم وحدودهم خط أحمر"، تنطلق الطائرات المصرية، فجرًا، بمساعدة على أرض الواقع من "الضابط يحيى" الذي ينجح في فك أسر الصحفية، واختطاف زوجة الأمير واستدراج "العقرب" لتحديد مكان اختباء الأمير الذي بات "كالفأر المذعور".

ووسط الضربات الجوية المتلاحقة، كأبواب جحيم انفتحت على الإرهابيين السفاحين، يواجه "السقا" الأمير "ممدوح"، بأنسب آية قرآنية: ﴿قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً.

.

﴾، ولما يعرض الإرهابي صفقة لتهريبه، خشية الموت، تظهر فلسفة المقاتل المصري وهو يقول للإرهابي: "اللي زيك بيخافوا من الموت عشان كده بيهددوا بيه.

.

لكن اللي زيي بيعزم الموت كل ليلة في بيته ويفضل مستنّيه"، ويحاول الإرهابي الاحتماء خلف زوجته، ثم يقتلها بدم بارد (كعادة كل السفاحين)، وتنتهي المعركة بـ"سحق" وتدمير معقل التنظيم الإرهابي ونجاة الضابط والصحفية الشريفة وصدور بيان القوات المسلحة بالثأر للشهداء، وسط دموع فرحة أهاليهم بعد "القصاص" الذي وعد به الرئيس، فأوفى.

اقرأ أيضًا

مصر      |      المصدر: بوابة الأسبوع    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.