شجاعة ملك ومناخ محفز .. لقاء يحتفي بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة الفريدة

احتفال بعشرينيّة هيئة الإنصاف والمصالحة (2004 – 2024) حضر في الدورة الـ29 من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، السبت، من تنظيم هيئة المحامين بالرباط, ويريد اللقاء أن يبحث في “مآل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة”، التي كانت “تجربة مغربية فريدة” دفعت الملك محمد السادس ليصف توصياتها بـ”الوجيهة”، وتجد مكانا في دستور 2011.

صلاح الوديع، عضو الهيئة المذكورة، اعتبر أن “هذا التجمع اليوم في حدّ ذاته يكرس نجاح التجربة المغربية، بما أن بعض الحاضرين معتقلون سابقون”، مستدركا: “نقطة أساسية تجب الإشارة إليها، وهي أن الحركة الحقوقية منذ بداية السبعينيات (يقصد تأسيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان سنة 1972)، لم تكف عن المطالبة باحترام حقوق الإنسان والنضال من أجل ذلك، والكشف عن مصير ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} “سياقات محفزة” الوديع في كلمته شدد على نقطة ثانية اعتبرتها هيئة الإنصاف والمصالحة، لاحقا، عنصرا مؤسسا للحركة الحقوقية المغربية، وهي حركة العائلات: أمهات وزوجات ورفيقات وأخوات المعتقلين السياسيين في مختلف الفرق والمجموعات التي عرفت الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري أو التعذيب، موردا أن “حركة العائلات هذه كانت “قوة مشكلة للحركة الحقوقية”.

وعودة إلى بداية تشكل مسار هيئة الإنصاف والمصالحة تطرق المتحدث إلى خطاب الراحل الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1998-1999، الذي أكد فيه ضرورة طي الملف المرتبط بحقوق الإنسان، وزاد أنه “بعد وصول الملك محمد السادس إلى العرش أكد في خطاباته أنه يرغب في أن يكون انكباب المجلس الاستشاري ليس فقط على حالات الاختفاء، ولكن كذلك على ضحايا الاعتقال التعسفي”، وتابع: “نحن نعلم أن عدد هؤلاء يقدر بالآلاف”.

وأشار عضو الهيئة المذكورة إلى “وجود مناخ مهد للهيئة حينها، متمثل في مجموعة من الخطوات، أولا عودة أبراهام السرفاتي، ورفع الإقامة الجبرية عن عبد السلام ياسين، وإقالة إدريس البصري، وزير الداخلية السابق، وإجراء وقفة أمام معتقل درب مولاي الشريف، ووقفة تازمامارت التي كان لها صدى دولي”، معتبرا أن هذه كانت “مؤشرات على ظهور إرادة سياسية للمضي بشجاعة وبمسؤولية في مسار العدالة الانتقالية”.

ولفت المعتقل السياسي السابق إلى أن “التجربة لم تكن لتنجح لولا شجاعة ملك، ولولا قرار سياسي على أعلى مستوى”، مؤكدا أن “هذا أدى في نهاية المطاف لأن تصبح التجربة المغربية ضمن التجارب الخمس الأولى في العالم، إلى جانب كل من جنوب إفريقيا والأرجنتين والشيلي وتيمور الشرقية، وذلك بشهادة الأمين العام السابق كوفي عنان”.

تاريخ حافل مبارك بودرقة، عضو هيئة الإنصاف والمصالحة، كشف أن “المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان هو الذي صاغ التوصية التي رفعت للملك بخصوص إحداث الهيئة”، مبرزا أن العمل بدأ حينها مع المرحوم شوقي بنيوب، إذ تم الاطلاع على كل تجارب العالم في ما يخص لجان الحقيقة، وأضاف: “تم عقد لجنة سميتْ هيئة الحقيقة والمصالحة، وكانت في منتهى كمالها؛ لكن لما عُرضت على المجلس الاستشاري كانت هناك معارضة من طرف العديد من العناصر، التي لا نشك في وطنيتها، لكنها دفعت بانتفاء السياقات الأساسية لنعقد هيئة للحقيقة، بمعنى أن سياقنا يختلف، فنحن لم نشهد انقلاباً أو حرباً أهلية”.

وتابع بودرقة مداخلته قائلاً: “فكّرنا في النهاية في وضع لجان تتضمّن كل الأصوات، وبدأنا الاشتغال.

تنازلنا عن توصيف ‘الحقيقة’، وتمسكنا بـ’الإنصاف’، ولكن أثناء تنصيبنا من طرف الملك محمد السادس في أكادير قال: ‘أنتم هيئة الحقيقة والإنصاف والمصالحة'”.

وزاد الملقب بعباس: “بدأت الهيئة مهامها، غير أننا لم نجد وثائق، ولم نكتشف هذه المسألة إلا خلال حكومة الراحل عبد الرحمن اليوسفي؛ فلجأنا للاستماع للشهود والمحامين الذين ترافعوا في المحاكمات، إلخ، واستمعنا للعديد من المقاومين والنقابيين والأساتذة والسياسيين، والمعتقلين”.

وأضاف المتحدث: “ليس هناك ضحية لم يتم الاستماع إليه، وفي ظرف أشهر اتضحت الصورة، وعرفنا من توفي في قلعة مكونة ومن ماتوا في تاكونيت وتزمامارت، وبدأنا البحث مع السلطات عن مقابرهم.

وهذه كانت أهم لحظة بالنسبة للهيئة، بالإضافة إلى جلسات الاستماع العمومي، التي ضمنت إنصاف الضحايا ومعرفة الحقيقة، وساهمت في حرية التعبير، وترسيخ الديمقراطية، ومعرفة ماذا جرى، إلخ”، مشددا على حضور “توصيات الهيئة الكثيرة في مجال القضاء والحكامة الأمنية، وكذا دورها في حفظ الذاكرة، وتبني إستراتيجية وطنية للمساءلة وعدم الإفلات من العقاب”.

تجربة فريدة محمد الصبار، الأمين العام السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، اختار أن يذكر بكون تصور العدالة الانتقالية “جاء في سياق كان المغرب عرف انتهاكات جسيمة وممنهجة”، مضيفا: “بلدان مثلنا سبقتنا على مستوى تجارب العدالة الانتقالية، لكن المغرب طرح تصور هذه العدالة بشكل مختلف، وتم حل هذه المشكل وتقديم حلول ضمن استمرارية الوضع”، وأورد: “هذا شكّل إلى حد كبير عامل تعقيد في التجربة الوطنية، فأحيانا بعض الوجوه التي كانت مسؤولة سياسيا عما وقع في الماضي تشارك في البحث عن الحلول”.

وفي سياق التعريف بالعمل الذي تم القيام به لفت الصبار إلى أن “لجان الحقيقة عموما عبر العالم تقدم مشروع إجابات عن أربعة أسئلة مركزية: ماذا وقع أو ماذا جرى بالضبط؟ كيف جرى؟ بمعنى تحليل الملابسات السياسية والتاريخية التي رافقت هذه الانتهاكات، ولماذا جرى؟ وما هي التدابير الإجرائية التشريعية والدستورية الكفيلة بالقطع مع الماضي؟ إضافة إلى تدابير ضمان عدم التكرار ومحاسبة المسؤولين”.

وحول خصائص التجربة المغربية أفاد المتحدث بأنها “أول تجربة في العالم قامت بإعمال النوع الاجتماعي، بحيث تلقت النساء الضحايا تعويضات أعلى من الذكور؛ والتعويضات التي قدمت للضحايا تعد الأعلى في العالم”، وواصل: “هي أول تجربة تناولت أكثر من انتهاك: الإعدام خارج نطاق القانون، الضرب المفضي الموت أو إلى عاهة مستديمة النفي الاختياري أو الاضطراري الاعتقال السياسي.

كما أن اللجنة التي تكلفت بكشف الحقيقة هي التي تولت صرف التعويضات، وهذا لم يكن متاحا في تجربة أخرى”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 4 أسابيع | 3 قراءة)
.