البيت الملتزم وسط الحي المزعج - رسيني الرسيني
في أحد الأحياء السكنية التي تعج بالفوضى، وتغلب على أزقتها الضوضاء والمشكلات الاقتصادية، كان من السهل على أي بيت أن يُسحب إلى دوامة العبث والإهمال.
ضجيج مستمر، شباب ضائعون، ومنازل تفتقر لأبسط قيم الحياة، كانت الشكاوى لا تتوقف، والخلافات بين الجيران لا تهدأ، وكأن الحي قد اختار أن يكون مسرحًا للقلق لا للسكينة، ومع كل هذه الفوضى، يبرز بيت مختلف، يقع في وسط الحي شامخًا، يشبه الواحة في وسط الصحراء، لم يكن محصنًا بجدران عالية أو كاميرات مراقبة متطورة، بل بأسرة قررت أن تتمسك بالمبادئ.
ورغم المحيط الصعب، اختار هذا البيت ألا يكتفي بالدفاع عن نفسه، بل بدأ بتقديم مبادرات للحي مثل: دروس مجانية للأطفال، توزيع وجبات ساخنة للفقراء، استضافة لقاءات توعوية لضبط النفس والرقي بالأخلاق.
قابلهم بعضهم بالسخرية والتجاهل، لكن مع الوقت أيقنوا أن سياسة هذا البيت هي الأصلح، فأصبح بعض أبناء الحي يطالبون آباءهم أن يعملوا مثل هذا البيت، والآخرون يتمنون العيش فيه.
لم لا؟ فرب البيت كان حازمًا لكنه محبًا لأبنائه، والأم صبورة ومربية عظيمة، والأبناء مؤمنون برؤية والدهم ويعملون كقدوة بين أقرانهم.
هذه القصة ليست عن حي وبيت، وإنما صورة رمزية يمكن إسقاطها على واقع الشرق الأوسط بكل تحدياته، وعلى المملكة التي تمثل البيت الشامخ الملتزم.
ففي منطقة مليئة بالنزاعات والحروب والتقلبات الاقتصادية، استطاعت المملكة أن تستمر في المحافظة على دورها المحوري لاستقرار المنطقة، مؤمنةً أن البيت لن يشعر بالأمان الكامل مادام الحي غارقًا في المشاكل.
ومن جانب آخر، لا يكتمل الحديث عن ذلك البيت دون التطرق إلى الجانب الاقتصادي، الذي يمثل تحديًا آخر يضاف إلى البيئة الاجتماعية الصعبة في ذلك الحي، فالبيت لم يكن غنيًا بالمال فقط، وإنما غنيًا بأهله والتخطيط المستمر والحرص على بناء مستقبل اقتصادي مستقر ومستدام.
وعلى نفس النسق، يمكن أن نربط هذا بالواقع الاقتصادي للمملكة وسط منطقة تعاني من اضطرابات اقتصادية حادة، فقد تمكنت المملكة في فترة قصيرة، أن تجعل السعوديين محط أنظار العالم، وأن تقود تحولًا اقتصاديًا ملهمًا، وذلك من خلال رؤية 2030 التي تحققت معظم مؤشراتها، كنموذج عملي في التحولات على كافة المستويات بشكل يتوافق مع محاور الرؤية الثلاث: مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح.
ومن الأمور اللافتة، أن كل هذا التقدم والإنجازات تحققت قبل خمس سنوات من عام 2030م، ولهذا نقول: الرؤية حقيقة نعيش واقعها قبل موعدها المحدد بالرغم من ظروف المنطقة.
حسنًا، ثم ماذا؟ تبقى قصة ذلك البيت في الحي المزعج، وصورة المملكة في الشرق الأوسط، حكاية ملهمة عن الصبر والالتزام والإيمان بأن التغيير ممكن مهما كانت التحديات كبيرة.