من نصرة غزة إلى حارس المصالح الفارسية.. مليشيات الحوثي أداة حرب رخيصة قابلة للتدوير
سبتمبر نت/ تقرير – توفيق الحاج كشفت الحرب الإيرانية الإسرائيلية خلال الـ12يوما الوجه الحقيقي لمليشيا الحوثي، التي لم تعد تخفي تبعيتها الكاملة لطهران، بل باتت تتحرك علنًا كذراع من أذرع الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، فخلال الأيام الماضية، أعلنت الجماعة الحوثية استعدادها لمهاجمة السفن الأمريكية في حال شنت واشنطن هجومًا على إيران، وهو موقف غير مسبوق يكشف تماهياً كاملاً مع المصالح الإيرانية، وتخليًا واضحًا عن الشعارات التي طالما رفعتها بشأن غزة أو الدفاع عن النفس.
هذا التطور يضع الحوثيين في خانة الحارس الإقليمي لمصالح إيران، لا المدافع عن القضايا العربية أو الفلسطينية، وهو ما يؤكد أن روايات «نصرة غزة» كانت مجرد غطاء دعائي لتمرير مشروعهم الطائفي المرتبط بالأجندة الإيرانية.
حوثي إيران لم يكن تصعيد الحوثيين الأخير حدثًا معزولاً، بل جزءاً من خطة إيرانية أشمل، وهو ما ظهر جليًا بعد أن نفذت الولايات المتحدة ضربات دمرت خلالها مفاعلات نووية إيرانية، لتدخل طهران ووكلاؤها، وفي مقدمتهم الحوثيون، في حالة استنفار استعدادًا للرد.
إن اصطفاف الحوثيين خلف إيران بهذا الوضوح لا يدع مجالًا للشك بأنهم أداة حربية في يد طهران، وانه تم استخدامهم خلال حرب غزة كوسيلة اختبار ميداني للأسلحة الإيرانية، وتموضعهم في البحر الأحمر اليوم ليس إلا امتداد لوظيفتهم العسكرية في مشروع إيران التوسعي، بعيدًا عن أي مشروع يمني أو التزام بقضايا الأمة.
لطالما أنكر الحوثيون علاقتهم وتبعيتهم لإيران، وادّعوا استقلالية قراراتهم السياسية والعسكرية، غير أن الأحداث المتراكمة والواقع الميداني يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الجماعة تلقت دعماً إيرانياً مبكراً وممنهجاً، وأن مهمتها قد تحددت منذ وقت طويل ضمن المشروع الإيراني.
من المذهبية إلى التبعية فمنذ أكثر من عقدين، قدمت طهران للحوثيين التدريب العسكري المتقدم عبر الحرس الثوري، وزودتهم بتقنيات استراتيجية مثل الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز، مما مكّنهم من توسيع نطاق عملياتهم خارج الحدود اليمنية.
ويعلم العالم وكل اليمنيين إن إيران لم تكتفِ بالسلاح والخبرة، بل دعمت الجماعة مالياً، سواء بشكل مباشر أو عبر شحنات نفط، رغم أن الحوثيين سيطروا بقوة السلاح على الموارد المحلية من الضرائب والجمارك والجبايات، إلا أن الدعم الإيراني يظل محورياً، خصوصاً في تطوير قدراتهم الهجومية الاستراتيجية، هذه العلاقة تطورت من روابط مذهبية في التسعينيات إلى شراكة نفعية في بداية الألفية، ثم إلى دمج استراتيجي ضمن محور المقاومة الممانعة.
ومع تراجع أذرع طهران في سوريا ولبنان والعراق، برز الحوثيون كقوة بديلة رئيسية تعتمد عليها ايران في التهديد والرد وتنفيذ المهام، فانهيار النظام السوري، وتآكل قوة حزب الله بعد اغتيالات قياداته، والضربات الأمريكية على المليشيات العراقية، كل ذلك دفع إيران إلى تعزيز الرهان على الحوثيين، وتعهدهم باستهداف السفن الأمريكية دفاعاً عن إيران أوضح تجلٍ لهذا الدور، ويكشف أنهم الحارس الأكثر نشاطاً للمصالح الإيرانية، وان قضية فلسطين مجرد غطاء ودعاية إعلانية.
هذا التموضع يعكس استراتيجية إيرانية تقوم على تمكين حلفاء يمكنهم الصمود ذاتياً بموارد محلية، مع تزويدهم بتقنيات حرب، ما يجعل الحوثيين بقدرتهم على التمويل الذاتي وطاعتهم واستجابتهم للتوجيه الايراني أداة منخفضة الكلفة وفعالة لمشروع إيران.
فشل في تقييم الخطر إن انخراط مليشيا الحوثي بشكل مباشر في الحرب الإيرانية-الإسرائيلية يكشف تحولاً خطيراً في موقعها داخل المشروع الإقليمي الإيراني، إذ لم تعد تصرفاتها مجرد تكتيكات منفردة أو ردود فعل ظرفية، بل أضحت امتداداً مباشراً لاستراتيجية الردع الإيرانية بعد تعثر ملفها النووي وخسارتها لأوراق ضغط حيوية, لقد باتت المليشيا تمثل رافعة لإيران، تعمل بالوكالة وتنفذ أجندة تتجاوز حدود اليمن، ما يرفع من مستوى تهديدها الإقليمي والدولي.
الإشكالية الكبرى أن الولايات المتحدة والغرب فشلوا مراراً في قراءة حجم هذا الخطر وتقديره بدقة، إذ تعاملوا مع الحوثيين كفاعل محلي يمكن احتواؤه أو إقناعه بالتفاوض، بينما الواقع يقول إنهم أصبحوا أداة في يد إيران، ينفذون ضربات بحرية وجوية تُحدث آثاراً استراتيجية، خصوصاً في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ويهددون سلاسل الإمداد العالمية.
إيران بدورها تتبع تكتيكاً طويل النفس، يعتمد على تمكين الوكلاء محلياً بقدرات مالية محدودة ولكن تسليح نوعي ودعم لوجستي مدروس، الأمر الذي جعل من الحوثيين نموذجاً فعالاً ضمن هذا المخطط، لا سيما بعد تراجع أذرع إيران التقليدية في سوريا ولبنان والعراق.
ماذا بعد؟ اليوم، تطرح التطورات سؤالاً مركزياً هل ستتعاظم قدرات الحوثيين بعد الضربة التي تلقتها إيران، أم أن الجماعة قد تدفع ثمناً باهظاً لمبالغتها في التبعية، حتى بدت أكثر إيرانية من الإيرانيين أنفسهم؟ الاحتمال الأقرب أن الجماعة ستكون هدفاً قادماً، ليس فقط لضبط سلوكها، بل لتحجيم الدور الإيراني المتضخم عبرها، خاصة بعد أن ثبت أنها تمثل تهديداً مستداماً للأمن الإقليمي والدولي، وتُستخدم كأداة سياسية وعسكرية عابرة للحدود لخدمة طهران.
إن الوضع في اليمن يبدو مختلفا تماما، فبدلا من أن تتضرر مليشيا الحوثيين مثلما تضررت بقية أذرع إيران، بل وحتى إيران ذاتها التي تلقت ضربات موجعة، وجد الحوثيون أنفسهم في موقع الرابح سياسيا على الأقل، دون أن يدفعوا الثمن الميداني المباشر الذي دفعه آخرون في لبنان أو سوريا أو إيران ذاتها، وهو ما يخدم تطلعاتهم الخاصة في اليمن، أو يعزز موقفهم التفاوضي لاحقا، في حال الدخول في أي تسوية سياسية.
لا شك أن الحوثيين سيتضررون كثيرا في الوقت الراهن جراء الضربات الموجعة التي تعرضت لها إيران، لكن الضرر سيقتصر على حجم الدعم الذي كانت تقدمه لهم طهران ونوعيته، بينما الوضع في الداخل لن يطاله التأثير، في ظل غياب الإرادة لدى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية لاستغلال التطورات الإقليمية الراهنة بما من شأنه القضاء على مليشيا الحوثيين واستعادة الدولة.
تبدو مليشيا الحوثيين حاليا في حالة ضعف، فهي مكشوفة الظهر، بعد إزاحة المظلة الإيرانية عنها ولو كان ذلك مؤقتا، ونفور مختلف القوى المحلية منها، وعدم وجود أي حليف خارجي يمكن أن يقدم لها الدعم الذي كانت تقدمه لها طهران، لكن من حسن حظ الحوثيين أن خصومهم المحليين والأجانب لا يكتفون بمدهم بأسباب البقاء، وإنما يمدونهم أيضا بأسباب النجاة من العواصف العاتية التي تعصف بهم وبرعاتهم الإقليميين، ويحولون خسائرهم المفترضة إلى مكاسب بلا أي مقابل.
استمرار التصعيد ومن التساؤلات التي تطرح وسط هذه التطورات الإقليمية التي تُوّجت بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران بضغط أميركي، هل ستستمر مليشيات ايران في التصعيد حول هذا السؤال يرى مراقبون للشأن اليمني أن الجماعة الحوثية ستواصل تصعيدها باتجاه تل أبيب، غير أن ذلك قد يمنح إسرائيل هامشاً لتكثيف ضرباتها على مناطق سيطرة الجماعة، بالنظر إليها كآخر التهديدات بعد تحييد «حزب الله» اللبناني والميليشيات العراقية ونظام بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن إنهاك قدرات النظام الإيراني نفسه خلال المواجهة التي استمرت اثني عشر يوماً.
اذ انه ليس من مصلحة مليشيا الحوثي التوقف عن خوض الحرب هنا او هناك لأنها ستكون مطالبة من قبل المواطنين الواقعين تحت سيطرتها بتوفير الخدمات الاساسية وهو مالم تقدر عليه لذلك تؤكد الجماعة أنها لن توقف هجماتها إلا بإنهاء الحصار المفروض على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، في حين يعلم العالم واليمنيون إن تلك الهجمات لم تخدم القضية الفلسطينية، بل استُخدمت مبرراً لاستدعاء الضربات الإسرائيلية التي ألحقت أضراراً كبيرة بالبنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة، عبر أكثر من عشر موجات جوية انتقامية.
ومنذ انخراط الحوثيين في الصراع الإقليمي والهجمات البحرية ابتداءً من 19 نوفمبر 2023، توقفت مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية والجماعة المدعومة من إيران، وسط استمرار حالة التهدئة الهشة بين الطرفين.
طبيعة متجذرة الأرجح أن إيران، حتى بعد الضربات القاسية، لن تغير من طبيعة مشروعها، ولن تجري مراجعة صادقة لسلوكها، فهي قد تخسر تكتيكيا، لكنها لن تتخلى عن استراتيجيتها طويلة الأمد.
أما المليشيات التابعة لها، فقد تنكمش مؤقتا، لكنها باقية كأدوات، تستخدمها طهران في اللحظات التي تتطلب إعادة خلط الأوراق ضد جيرانها، مهما كانت كلفة ذلك على استقرار الدول والمجتمعات العربية.
أما اليمن فيبقى حاضرا غائبا، كعادته، في كل التحولات الكبرى، فهو حاضر في قلب الصراعات ومساوئها، وغائب عن تحولاتها الإيجابية في سياق مشروع استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران, فبدلا من أن تشكل الضربات التي تعرضت لها إيران وبعض وكلائها فرصة تاريخية للقضاء على الحوثيين، فقد وجدوا أنفسهم خارج دائرة الاستهداف، بل والحرص على عدم زوالهم من قِبل بعض دول الجوار.
وفي ظل غياب الإرادة الجادة من جانب القوى المناهضة لهم، تحول الحوثيون من ورقة محروقة إلى ورقة قابلة لإعادة التدوير، وربما للربح السياسي أيضا، دون أن يدفعوا شيئا من كلفة الحرب، كتلك التي دفعها نظراؤهم في لبنان وسوريا، وأخيرا في إيران ذاتها.
هدف إسرائيل ويرجح خبراء أن تكون مليشيا الحوثي الهدف التالي لإسرائيل خلال الأيام القادمة، وذلك بعد انتهاء الصراع الإيراني الإسرائيلي، ويتوقع خبراء أن الحوثيين المدعومين من إيران، قد يواجهون ضربات عسكرية خلال الأيام المقبلة، في ظل تهديداتهم المستمرة للأمن الإسرائيلي عبر إطلاق الصواريخ البالستية باتجاه المدن الإسرائيلية.
وتتوافق هذه الترجيحات مع تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار مع إيران والتي قال فيها «سنتعامل مع اليمن مثل طهران، وأمرت الجيش بإعداد خطة ضد الحوثيين.
» وما يؤكد ذلك هو ان مليشيا الحوثي الارهابية الجهة الوحيدة الخارجية التي تنشط حاليا في تهديد الأمن الإسرائيلي من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على المدن الإسرائيلية.
وقال متابعون: إن استهداف الحوثيين يتماشى مع استراتيجية إسرائيل لإضعاف ما يسمى «محور المقاومة» المدعوم من إيران، خاصة بعد إضعاف حزب الله في لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
ويمثل الحوثيون، تهديدًا مستمرًا عبر هجماتهم في البحر الأحمر، التي أثرت على الملاحة الدولية وسفن مرتبطة بإسرائيل.
وكان كاهن الحوثيين عبد الملك الحوثي هدد بـ»حرب مفتوحة» ضد إسرائيل، بعد اندلاع الصراع الإسرائيلي الإيراني، رغم أن عناصر الميليشيا لم تبادر بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل سوى مرة واحدة طلية 12 يوما من الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران.
وكانت إسرائيل نفذت في وقت سابق غارات على مواقع عدة في اليمن وشملت ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وذلك بعد هجوم منسوب للحوثيين على تل أبيب.