أحمد السعيد.. عرَّاب المطاعم السعودية.. نسيج وحده - منصور بن صالح العُمري
القصصَ الكبرى لا تُكتَب بالحبر، بل تُنقَش على صفحة الزمن بجُرح الكدح وندى العزيمة، وإن هذا العملاق الذي أتحدثُ عنه أشبه بقطبٍ في عالَم العصاميين؛ وُلد بعيدًا عن ظلِّ أبيه، فربَّته الحاجة على شدِّ الراحلة، وأطعمته الصعوباتُ خبز الصبر، فأدرك من فجره الأول أن اليد التي لا تجد كفًّا تسندها، عليها أن تُصبح سندًا لنفسها.
نشأ وفي كفّه مسودَّةُ الأحلام، لا يملك من العدّة سوى عزيمةٍ تكسر الأقفال، يستلُّها كلَّما استعصى عليه طريق، فيحفر بصبابة الأمل مجرىً وسط صخور الواقع، حتى رآه الناس يسير في قلب الهجير كأن العطش نبعٌ في داخله، ويعبر زمهرير الشتاء كأن الدفءَ يستيقظ من خطاه.
ثم شاء الله أن تُفتَح له نافذةٌ في جدار اليأس: فرصةُ «الوجبات السريعة»، تلك الرمزية التي التحمت بطموحه كما يلتصق العطر بالزهرة؛ فأسَّس مع شريك له رحلةً كانت تبدو -آنذاك- جموحًا من خيال، لكنها سرعان ما غدت معيارًا لكل مَن أراد جرعةَ ابتكارٍ وطرفةَ سبق.
لحظاتُ الليل والنهار صارت عنده حلوى يذيبها في فم العمل؛ لا يرى الفرقَ بين سُهد التخطيط ولذّة الإنجاز، فالفجرُ عنده ليس ساعةً من زمن، بل صهيل فكرة جديدة.
ولأن العظماء لا يُتركون بلا امتحان، جاءه اختبارٌ يزلزل جبل الطموح؛ كبوةٌ قلَّ أن ينهض منها أصحابُ العزائم الرخوة.
لكن الرجُل الذي لم يُسقط طفولتَه الفقرُ، كيف يُسقطه -الغدر وهو في قمة شموخه-؟ تجاوز الأزمة كما يتجاوز النهر سدودًا وطيَّات، وجعل من الجرحِ منصةً، ومن الخسارة معبرًا، فجدَّد النجاحات وصنع لنفسه موضعًا ثانيًا، بل أوقد - على رماد المرحلة الأولى - جذوةَ مشروع جديد أبقى وأرقى.
وتركَ من التفّ على نجاحهِ الأول أضحوكةً للناسِ وهم يرون من أراد سلبهُ نجاحاته يتخبط من فشل إلى أكبر.
فما بالُ «أطفالِ النجاح» يظنون أن زوابعهم -وإن علا صراخُها- تهدم قلاعًا شادتها سنونُ التجلّد؟! إن الطَّموحَ الذي لم يخرّ طفلاً لا يسقطه حفيفُ ناقدٍ نزِق، ولا تعثُّرُ سهمِ حاسد؛ لأن الهمّة التي خاضت الفقرَ واليُتم والحرَّ والقرَّ، أكبرُ من أن تحسب حسابَ لغوٍ على قارعة الدرب.
حدثهم يا تاريخ نهضتنا: أن هذا عملاقٌ بنى شموخه لبنةً فوق لبنة، وحصَّنه بالتقوى واليقين والعمل الدائب؛ فإن هبَّت ريحُ التشكيك، وجدتها ترتطم بصخور التجربة فتنكسر، وإن أرسلوا نبالَ المثبّطين، تكسّرت عند درع الرضا بقدر الله، والعلمِ بأن الساعي للخير لا تُمنَح له الراحة، بل تُهدى إليه القدرة على المواصلة.
فيا كلَّ طامحٍ تواقٍ إلى معارج المجد: انظروا إلى هذا الرجل، واستيقنوا أنّ النجاحات ليست ترفًا يُشترى، بل عَرَقًا يُستقصَد، ودماً يُفصد، وأن مَن خَبر الشدائد صارت ريحُها زادَه، ومن عانق الكبوات اتخذ قفزتَه منها سلَّمًا إلى أفق أعلى.
أما أنت أيها العملاق، فامضِ في دربك؛ دعْ صريرَ الأبواب خلفك يعلِّم الآخرين درسَك الأول: أن النجاح ليس ابناً مدلَّلاً لأحد، إنما هو أخٌ وفِيٌّ لمن ربَّته يدُ التضحية، وغذَّته عزائمُ لا يليق بها إلا العلوّ.
فليشهد التاريخ أنّك كنتَ -وما زلت- مثالًا بأن الطموح إذا اقترن بالصدق مع الله، ثم الاعتماد على النفس، صار شجرةً تُضاء جذورُها بقطرة الصبر، وتزهر أُعطافُها بشمس الإصرار، فلا يضيرها إن صَفَّر الشتاء أو قَسَا القيظ، ولا تزعزعها صيحاتُ الأقزام عند ترابها.
.
.
لأن الجبال لا تمنح الإصغاء لضوضاء السهول.
وإن أنسى، فلا أنسى النورين اللتين كانتا ضياءً لطريقه وسنداً يحمل عنه هموم الطريق والدته نورة المحمد الشريدة، رحمها الله، وزوجته الفاضلة نورة بنت صالح العُمري حفظها الله، كان لبركة دعاء والدته الطاهرة، التي نذرت نفسها لرعايته وإخوته وأحاطتهم بجميل وقفاتها بين يدي ربها داعية لهم بالخير، وكذلك سنده الأحن وقلبه الذي ينبض بمحبته وعينه التي تبَصِّره وتعينه على تجاوز المحن، شريكة عمره أم خالد أسعدها الله.
ولعلي أعدل المثل الشائع وراء كل رجل عظيم امرأة، ليكون وراء كل ناجح امرأتين، أماً حنوناً وزوجةً طيبة.