الحالة الكمومية

نقصد بها الواقع الكمومي في الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتشابك المصالح وتداخل السرديات، حيث يبدو أن الوضع في الشرق الأوسط، وخاصة في الصراع بين إيران وإسرائيل، يعيش حالة من «اللايقين الكمومي»، لتتداخل الاحتمالات وتتشابك التوقعات بشكل يجعل التنبؤ بالمستقبل ضرباً من المستحيل.
ففي عالم تتقاطع فيه المصالح الجيوسياسية مع الأيديولوجيات المتطرفة تصبح كل السيناريوهات ممكنة، حتى تلك التي تبدو غير منطقية أو متناقضة.
إن التشابك الكمومي في السياسة يكون عندما يصبح العدو حليفاً.
ذلك أن إحدى أكثر الظواهر إثارةً في الفيزياء الكمومية هي «التشابك الكمومي» (Quantum Entanglement)، حيث يرتبط جسيمان ببعضهما بشكل لا يمكن تفسيره وفقاً لقوانين الفيزياء الكلاسيكية.
وبطريقة مشابهة، نرى في السياسة الدولية تحالفات غريبة وتناقضات صارخة.
فالدول التي تدّعي معاداة الإرهاب تدعم جماعات مسلحة، والأنظمة التي تتحدث عن السلام تهدد باستخدام القوة النووية، والخصوم الألداء يتحولون فجأة إلى شركاء عندما تتقاطع المصالح.
فإسرائيل، على سبيل المثال، تعلن معارضتها لبرنامج إيران النووي، لكنها في الوقت نفسه تتعامل بشكل غير مباشر مع مصالح اقتصادية تتقاطع مع طهران في بعض الأسواق الدولية.
وبالمثل، نجد أن الولايات المتحدة، رغم عدائها الظاهر لإيران، كانت على استعداد للتفاوض معها في إطار الاتفاق النووي، بينما حلفاؤها في المنطقة يشنون حروباً بالوكالة ضد المصالح الإيرانية.
لا يمكن فهم تعقيدات الصراع في الشرق الأوسط دون الرجوع إلى نظرية الفوضى (Chaos Theory)، التي تظهر كيف يمكن لحدث صغير أن يخلق تداعيات غير متوقعة على نطاق واسع.
فالغرب، وخاصة الولايات المتحدة، استخدم هذه النظرية كأداة لتفكيك الاستقرار الإقليمي، سواء عبر دعم انقلابات أو إشعال حروب أهلية أو التلاعب بالاقتصادات المحلية.
والأكثر إثارةً هو كيف يتم توظيف نظرية الألعاب (Game Theory) في هذا الصراع، حيث يصبح لكل حركة حساب دقيق لردود الأفعال المحتملة.
فإسرائيل، مثلاً، تطلق تصريحات عن «ضرب المفاعلات النووية الإيرانية»، ليس لأنها تنوي ذلك بالضرورة، ولكن لاختبار ردود الفعل الإقليمية والدولية، ولخلق بيئة من التهديد المستمر الذي يبرر أي إجراء لاحق.
ما بعد الحداثة وتفكيك الهوية أحد أخطر أدوات الصراع الحديثة، حيث الحرب الناعمة، التي تستهدف العقل الجمعي للمجتمعات عبر تفكيك الهويات وتشويه السرديات التاريخية.
فمشاريع مثل «الديانة الإبراهيمية» أو إثارة النزعات العرقية والمناطقية ليست سوى محاولات لخلق واقع جديد تفقد فيه الشعوب ارتباطها بجذورها، وتصبح أكثر تقبلاً للهيمنة الخارجية.
فالغرب لم يعد يحتاج إلى غزو عسكري مباشر لتحقيق أهدافه؛ بل يكفيه تفكيك البنى الاجتماعية والدينية، وإحلال قيم جديدة تخدم مصالحه.
وهذا ما يفسّر الهجوم المستمر على الإسلام كعقيدة وهوية، ومحاولة استبداله بخطاب ديني مشوش يسهل التحكم فيه.
ولا يعني ذلك أن الخطاب الديني العباسي لا يحتاج إلى نقد وتمحيص.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل يمكن الخروج من المتاهة الكمومية؟ كما يبقى السؤال الأهم هل يمكن للشرق الأوسط أن يتحرر من هذه الحالة الكمومية المعقدة، حيث تتداخل فيه الأدوار وتتشابك المصالح؟ الجواب يعتمد على قدرة دول المنطقة على خلق سرديات موحدة تقاوم التفتيت، واستراتيجيات ذكية تتجاوز لعبة «رد الفعل» التي يفرضها الغرب.
فكما في الفيزياء الكمومية، حيث يمكن للجسيم أن يكون في حالات متعددة حتى لحظة القياس، فإن مصير الشرق الأوسط يبقى معلقاً بين احتمالات كثيرة.
.
.
لكن القوة الوحيدة القادرة على «قياس» هذا الواقع وتحديد مساره هي إرادة شعوبه وقدرتها على مقاومة التلاعب الخارجي.
وإلا، فستظل المنطقة عالقة وساحة لتجارب القوى الكبرى، تعيش في دوامة لا تنتهي من الصراعات المفتعلة.
أخبار ذات صلة