سوريا وإسرائيل بين المخاطر وفخاخ التطبيع

لم تقم أي دولة بتوقيع اتفاقية سلام مع دولة أو كيان آخر وهو يحتل أرضا لها، ناهيك عن أن تكون هذه الدولة أو الكيان متاخما لحدودها، لأن الاتفاق معناه ببساطة تسامحا مع جريمة المحتل وتشجيعا له على المضي قدما في احتلال مزيد من أراضي هذه الدولة.
هذه المعادلة التي لا يريد أن يفهمها كثيرون وهم يلوكون بالألسنة احتمالية توقيع اتفاقية سلام بين في عهدها الجديد وإسرائيل.
إن الدول التي وقعت اتفاقات سلام أو مع لا تحتل إسرائيل أرضِا لها بشكل مباشر، بدءا من مصر مرورا بالأردن وصولا لدول عربية أخرى، الأمر الذي يعني أنه نظريا على إسرائيل أن تعيد كافة أراضي السوري المحتل للسيادة السورية في مقابل ، وهذا أمر شبه مستحيل في الوضع الإقليمي الحالي.
تعرف تل أبيب أنها لا تستطيع فرض تطبيع على دمشق في الوقت الراهن، لهذا فهي تعتمد الاستفزازات العسكرية بين الفينة والأخرى والتدخل السافر في الشأن الداخلي السوري، خاصة على الحدود وفيما يخص العرقيات والأديان والمذاهب المختلفة، لتخفض سقف أي مطالب سورية تعرف تل أبيب أنها لا تستطيع فرض تطبيع على دمشق في الوقت الراهن، لهذا فهي تعتمد الاستفزازات العسكرية بين الفينة والأخرى والتدخل السافر في الشأن الداخلي السوري، خاصة على الحدود وفيما يخص العرقيات والأديان والمذاهب المختلفة، لتخفض سقف أي مطالب سورية مقابل اتفاقيات تطبيعية في المستقبل بين سوريا وإسرائيل.
فإسرائيل لا تقبل أن يكون على حدودها نظام مستقر غير خاضع بشكل كامل للإرادة الإسرائيلية بشكل علني أو سري، ناهيك عن أن يكون نظاما وليد ثورة شعبية وله صبغة إسلامية.
من وجهة نظر دمشق، فإن النظام الوليد يقع بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان المبادئ والأخلاقيات المتعلقة بالتعامل مع إسرائيل، كعدو يحتل أراضي سورية ناهيك عن جرائمه في فلسطين، وخاصة أن النظام السوري البائد كان يرفع شعار مناصرة فلسطين حتى سقوطه.
فليس منطقيا ولا مقبول شعبيا أن يأتي نظام بثورة شعبية في بلد مثل سوريا ليمد لتل أبيب أيادي السلام خاصة في هذا التوقيت.
وفي الوقت ذاته فإن سوريا الجديدة في حاجة لكسب المجتمع الدولي كي تستعيد عافيتها، وهذا المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة محابِِ لإسرائيل.
ورغم هذا، فحسنا فعلت الحكومة السورية الجديدة بأن جددت التأكيد على مسألة اتفاقية فض الاشتباك القديمة الموقعة عام 1974 كإطار لعدم الصدام العسكري بين سوريا وإسرائيل، وحسنا فعلت أيضا أن جعلت المفاوضات بينها وبين إسرائيل غير مباشرة، فلا هي أنكرتها ولا هي هرولت إلى الجلوس مع شخصيات إسرائيلية في الغرف المغلقة طمعا في ذهبها وخوفا من سيفها كما فعل سياسيون عرب آخرون للأسف، وعلى رأسهم العسكريون في السودان، ستبقى سوريا في موقف قوة طالما أبقت التعامل مع الملف الإسرائيلي كملف أمني عسكري وليس كملف سياسي دبلوماسيفما جنوا من تلك اللقاءات سوى الفضيحة ودخل السودان بعدها في نفق مظلم ولم يربح شيئا من مثل هذه العلاقات.
هذا الموقف المتزن من سوريا قابلته إسرائيل بتصريحات غريبة عجيبة على لسان وزير خارجيتها جدعون ساعر، يعرب فيها عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع دمشق، وداعيا في الوقت ذاته إلى إبرام اتفاق مشابه مع لبنان، وهي التصريحات التي تؤكد التحليل الذي ذهبنا إليه من أن تل أبيب تهدف من الاستفزازات في سوريا لدفع دمشق دفعا نحو تطبيع شبه مجاني منزوع الجولان.
ستبقى سوريا في موقف قوة طالما أبقت التعامل مع الملف الإسرائيلي كملف أمني عسكري وليس كملف سياسي دبلوماسي.
وهذا يتطلب إبقاء خط المفاوضات غير المباشرة مفتوحا وفي الوقت نفسه الإصرار على دور للأمم المتحدة في المناطق المتاخمة للقوات الإسرائيلية، وعدم التفريط في أراضي الجولان تحت أية ذرائع ومغريات، فلا هي تقدر على غض الطرف عما يجري على حدودها الجنوبية ولا هي تقدر على خوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل.