عبارة "لمرا حاشاك" على الإنترنيت تنذر بتكريس الكراهية ضد المغربيات

“لمرا حاشاك”؛ توصيف ما فتئ ينتعش في “حلّة رقميّة” بعدما ظلّ بشكل حصري ضمن “لغة” الإنسان المغربي “القديم”، يتلفّظ به “وقتذاك” غالبية الناس في جملة من الأوساط الأصولية.

بيد أن “التفكيك المعاصر والحقوقي” لهذه المقولة، أدى إلى فضح ما تنطوي عليه من عنف لفظي ضد المرأة ومن حط صريح من قيمتها وآدميتها، لأن لفظ “حاشاك” يرفق في الغالب عند الحديث عن كائنات لا تنطق.

وبعدما كان النقاش حول هذه “المصيبة اللّغوية”، بتوصيف متتبعين، قد بدأ يضمحل أمام حضور “انطباع تراجع الاستعمال”، بدا هذا الوصم يحضر في تعليقات وتدوينات رقمية في عصر الذكاء الاصطناعي الذي تعدّ المرأة فاعلة فيه، وهو ما يتطلب استيعاب مسالك الوعي التي تتسرب داخلها هذه الوصوم بشكل متوارث وكيف تعتمل في “داخل الإنسان المغربي دون أن يعي مفعولها”.

انتقال آمن لم يقتنع الباحث في علم الاجتماع زكرياء أكضيض بإمكانية “اندحار” الأوعية التي تحتوي مقولة “لمرا حاشاك”، لأن “نقلها مع جزء مهم من الجيل الحالي افتراضيا يعني أنها مازالت نائمة في وعينا الجمعي، ومتوارثة، بشكل يجعلها مختبئة داخل فضاءات انتعاش الذكورية، خصوصا في مجتمعات مثل مجتمعاتنا تجهّز حزمةً من الوصوم لتطوّق بها المرأة إذا خرجت عن حدود المساحات المسموح بها”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ولا يبدو هذا الوصم شيئاً خارج “تمثلنا الجمعي” الذي لم يعد مترفّعا عن التكسير، بحيث لفت أكضيض، ضمن تفسيرات لهسبريس، إلى أن “هذا الوعي يسكننا، ولكن بمستويات مختلفة، فمنّا من يسكنه ليستحضره على مستوى سلوكه وتمثلاته، ومنا من يسكنه ويقاومه لأن المحيط الذي يعيش فيه يفرض عليه نماذج من القيم المطلوب استحضارها، تشتغل آلاتها على تدجين الوصوم وإخصائها”.

وتابع شارحاً: “المقولات التّشييئية للأنثى تسكن لا وعي الإنسان المغربي، ولكن اختفاءها وظهورها علناً وفي الوعي المصرح به، مرتبط بمجال تحرك الفرد وأنماط العيش الأخلاقية التي يتحرك داخلها ونمط التنشئة الذي يصادفه”، موضحا: “في أوساط بدوية وتقليدانية يمكن العثور على مقولات من هذا القبيل، لكن في المدينة العمرانية يتراجع الوصم، رغم تغذيته للوعي الجمعي، ورغم الاصطدام الحاد مع حركية الفكر التحديثي”.

وتفهّم السوسيولوجيّ ذاته “ترديد هذه المقولة بانتشاء”، بما أن “مجتمعنا يصرّ على ضبط خريطة تحرّك المرأة والرجل، والمساحات المتاحة المسموح بها لكل فاعل في بنية المجتمع”، مبرزا أن “إشهار قول [لمرا حاشاك]، يحاول أن يشعر المرأة بأنها تمرّدت وخرجت عن هذا الإطار الذي أريد لها، فيبدأ محيطها في توظيف المفاهيم والتعابير التي تحط من قيمتها”، وزاد: “هذا موجود، رغم التحولات القيمية التي نعيشها”.

وذكر أكضيض أن “هناك إيقاعات محافظة تناوئ الإيقاع الذي يدفع ديناميات العيش المجتمعي نحو التحديث والقيم الكونية التي تنصف المرأة كإنسان وتعترف لها بكافة حقوقها، لا سيما وأن مجالات إنتاج القيم المحافظة تواصل الاشتغال بالقوة نفسها في ظل وجود فاعلين يتمسكون بها ويدافعون عنها ويروجون لخطاباتها”، مسجلا أن “هؤلاء لا يوجدون في الهامش، بل لهم تنظيماتهم السياسية ولهم نماذج، تمنح للذكورية غطاءات سياسية وإيديولوجية وقيمية”.

ذكورية خشنة أسماء بنعدادة، أكاديمية باحثة في علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، قالت إن مقولة “لمرا حاشاك”، التي تفتقد، بحسبها، إلى “الحد الأدنى من الأخلاق والذوق”، كانت سائدة في أزمنة وأمكنة معينة بعينها، خصوصا لدى الكائن البدوي الخشن، في مقابل مقولة “مولاة الدار”، التي “تعلي من قيمة المرأة بوصفها أمّا وزوجة وبنتا وأختاً، ولهذا نستطيع القول إن الوصم الأول يكون خافتاً حين يتعلق الأمر بنخب مدينية واعية”.

وسجلت بنعدادة، ضمن إفادة قدمتها لهسبريس، أن “حضور هذه العبارة رقميّا ولو لدى أقلية من المبحرين افتراضيا، يعيد تدوير أفكار أبوية ماضوية ويجرّها قسراً إلى الافتراضي، بمعنى أنه (الشخص الذي يستخدمها) يحمل تربيته وترسباته الثقيلة على ظهره وهو يلج فيسبوك أو غيره”، منبهة إلى أن “هذا الشخص لا يستطيع أن يحرر تعليقاً أو تدوينةً يقول فيها الأمر نفسه عن والدته، بدعوى قدسية الأم وأنها الحقيقة الوحيدة في الوجود”.

وتابعت قائلة: “الجيل الحالي هو استمرارية للجيل السابق، وهناك جهات ترعى هذا الخطاب وتحرص على استمراريته، لتصوير المرأة كمورد للإنتاج البيولوجي، وأن وظيفتها الحصرية هي الأمومة التي تمارس في حدود البيت، وقد صار هذا الخطاب أكثر وضوحاً مرة أخرى في سياق الحديث عن تعديلات مدونة الأسرة”، وزادت: “لكل هذا، أتصور أنه ليس كل من يدخل الرقمية بوصفها فضاء معاصرا، هو حداثي أو يعتنق معقولية حديثة”.

وأجملت الجامعية عينها بأن “هذه المقولة تحيل على نوع من الكراهيّة والميزوجينية.

وتشبيه المرأة بكائنات غير عاقلة، لم يكن أمراً تستفرد به الثقافة الشعبية أو الفكر اليومي، بل أيضا الثقافة العالمة والفكر الفلسفي قديماً، لكن الأخير جدد دينامياته وتحرر من الأفكار السامة وباتت متخفية في جلباب الثقافة الشعبية في قطيعتها المنهجية مع الثقافة العالمة”، وأضافت: “الثقافة الشعبية في كل مكان لها ميكنزمات للتفكير والفعل ورد الفعل، إلخ”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 أشهر | 3 قراءة)
.