عباس العقاد والإخوان

عباس العقاد والإخوان

نشر المفكر الكبير عملاق الأدب العربي، أعظم مفكر إسلامي وأغورهم بحرًا مقالاً عن جماعة الإخوان المسلمين في مجلة الأساس في الثاني من يناير عام 1942 حمل عنوان «الفتنة الإسرائيلية»، وأعادت مجلة الأزهر الغراء نشره في عددها الصادر في شوال 1436 هجريًّا - يوليو 2015 ميلاديًّا.

العقاد رحمه الله كما هو معروف عنه، لم يتراجع عن معركة فكرية خاضها، ولم يثبت عنه تمسكه بخطأ وقع فيه، بل لم يكن يأنف من الاعتراف بخطئه.

.

ولم يعتذر عن مقاله عن الإخوان مما يجعلنا نقول بثقة إن ما كتبه العقاد عن الإخوان يقينه فيهم، وإنه مات رحمه الله وهو على هذا اليقين.

.

وإلى نص المقال كاملاً كما كتبه العقاد رحمه الله دون تدخل منَّا أو تعقيب:عباس محمود العقاد - الفتنة الإسرائيلية.

.

«الفتنة التي ابتُليت بها مصر على يد العصابة التي كانت تسمي نفسها بالإخوان المسلمين هي أقرب الفتن في نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس، وهذه المشابهة في التنظيم هي التي توحي إلى الذهن أن يسأل: لمصلحة مَن تثار الفتن في مصر وهي تحارب الصهيونيين؟!السؤال والجواب كلاهما موضع نظر صحيح، ويزداد تأملنا في موضع النظر هذا عندما نرجع إلى الرجل الذي أنشأ تلك الجماعة فنسأل: من هو جده؟ إن أحدًا في مصر لا يعرف مَن هو جده؟ على التحديد، وكما يقال عنه إنه من المغرب، وإن والده كان «ساعاتي»، والمعروف أن اليهود في المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعاتهم المألوفة، وأننا هنا في مصر لا نكاد نعرف «ساعاتي» كان يعمل بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود، ونظرة إلى ملامح الرجل تعيد النظر طويلاً في هذا الموضوع، ونظرة إلى أعماله وأعمال جماعته تغني عن النظر إلى ملامحه وتدعو إلى العجب من الاتفاق في هذه الخطة بين الحركات الإسرائيلية الهدامة وأعمال هذه الجماعة.

ويكفي من ذلك كله أن نسجل حقائق لا شك فيها، وهي أننا أمام رجل مجهول الأصل مهيب النشأة، يثير الفتنة في بلد إسلامي والبلد مشغولة بحرب الصهيونيين، ويَجِدُّ الرجل في حركته على النهج الذي اتبعه دخلاء اليهود والمجوس لهدم الدولة الإسلامية من داخلها بظاهرة من ظواهر الدين، وليس مما يحجب الشبهة قليلاً أو كثيرًا أن هناك من أعضاء جماعته مَن يحاربون في ميدان فلسطين.

فليس من المفروض أن الأتباع جميعًا يطلعون على حقائق النيات، ويكفي لمقابلة تلك الشبهة أن نذكر أن مشاركة أولئك في الطلائع الفلسطينية تفيد في كسب الثقة، وفي الحصول على السلاح والتدرب على استخدامه وفي أمور أخرى قد تؤجَّل إلى يوم الوقت المعلوم هنا أو هناك، فأغلب الظن أننا أمام فتنة إسرائيلية في نهجها وأسلوبها، إن لم تكن فتنة إسرائيلية أصيلة في صميم نيتها.

أمة مصرية مشغولة بفتنة هنا وجريمة هناك وحريق يُشعل في هذه المدرسة ومؤامرات في الخفاء، وتقوم هذه العناصر المفسدة بالتحريض والتهييج وتزودها بالذخيرة والسلاح، هل هذه هي محاربة الصهيونية والغيرة على الإسلام؟ إن يهود الأرض لو جمعوا جموعهم ورصدوا أموالهم وأحكموا تدبيرهم لينصروا قضيتهم، في تدبير أنفع لهم من هذا التدبير لما استطاعوا، وإلا فكيف يكون التدبير الذي ينفع الصهيونية في مصر في هذا الموقف الحرج؟.

إن العقول إذا ران عليها الغباء كانت كتلك العقول التي وصفها القرآن لأصحاب الهاوية ﴿الذين لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يُبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾، هؤلاء الغافلون يمكن أن يقال لهم إنها هي الفرصة السانحة للانقلاب أولئك هم الغافلون، فرصة لمَن؟، فرصة للصهيونية نعم، أما فرصة لمصر، فمتى وقع في التاريخ انقلاب ودفاع في وقت واحد؟!! ما استطاع أناس أن يوطدوا انقلابًا ويهيئوا أسبابَ الدفاع في أسبوع واحد أو شهر واحد أو سنة واحدة، أبتِ الرؤوس الآدمية أن تنفتح لضلالة كمثل هذه الضلالة لو كان الأمر أمر عبث ومجون وإنما هي مطالع خبيثة تتطلع وغرور صبياني يهاجم وشر كمين في الخفاء يستثار».

عباس محمود العقاد 2 يناير 1949.

اقرأ أيضًا

مصر      |      المصدر: بوابة الأسبوع    (منذ: 1 أسابيع | 3 قراءة)
.